مقالات

التيار الديني في المجتمع العربي في عصر النهضة (1798-1914)

أ.د.أحمد التل

يعيد الباحثون بدء النهضة عادة إلى سنة 1789 عندما غزا نابليون مصر, باعتبار أن هذا التاريخ يمثّل بداية المجابهة المباشرة بين الغرب والشرق – أو بالأحرى بين الخلافة العثمانية وأوروبا الصناعية في المشرق العربي, وبين مصر وانجلترا, وبين المغرب العربي وفرنسا – باعتباره بداية انتشار التعليم والصحافة وتوسع الاحتكاك الثقافي بالغرب.

في إطار هذه المواجهات, عرف عصر النهضة الاحتكاك بالغرب وانتشار التعليم ونشوء الجمعيات الثقافية والحركات السياسية. وبدأت تتوالى الأسئلة من مواقع مختلفة: ما هي أسباب ضعف الشرق حتى يتمكن الغرب من اجتياحه والتغلب عليه? ما هو الداء وما هو الدواء? كيف يكون التعامل مع الغرب وما طبيعته? هل نُقبل على الثقافة الغربية أن نرفضها كلياً أو جزئياً? كيف ننهض من كبوتنا ونصلح حياتنا? ما هي السبل للخروج من حالة الركود والانحطاط والجهل والتخلف إلى حالة الحركة والتقدم والعلم والقوة? هل نصلح المجتمع بالعلم أم بالدين? ما موقفنا من النظام السياسي السائد وكيف يمكن إصلاحه أو تحوله? هل نصلحه أم نستبدله بآخر? هل نحافظ على الخلافة الإسلامية والثقافة الدينية أن نستقل عنها ونقيم مجتمعات قومية علمانية?

هذ بعض الموضوعات التي أثيرت خلال المرحلة التأسيسية, ومن خلال طرح هذه الأسئلة والإجابة عنها في إطار المواجهات التي ذكرناها, يمكننا أن نلحظ قيام ثلاثة تيارات هي: التيار الديني (التقليدي والسلفي), التيار الليبرالي والتيار التقدمي.

التيار الديني:

قصد تيار الفكر الديني في المرحلة التأسيسية إلى الإبقاء على فكرة الخلافة الإسلامية والدفاع عنها بوجه الغزو الأوروبي. غير أن هذا التيار كان منقسماً بدوره بين جماعة محافظة تقليدية تتمسك بالنظام القائم ومؤسساته, وجماعة مُصلحة رفضت المؤسسات والتقاليد السائدة في ذلك الحين وطالبت بالعودة إلى منابع الإسلام ونقاوته الأولى (نسمي هنا الجماعة الأولى تقليدية والجماعة الثانية سلفية).

الجماعة التقليدية

كانت الجماعة التقليدية مرتبطة بالخلافة العثمانية والعائلات والزعامات البرجوازية الكبرى التقليدية (“الذوات” والأعيان) ومتمسكة بمقولات العلماء والفقهاء بما فيها مقولة طاعة الحاكم طاعة مطلقة على أساس أنها واجب ديني حتى ولو كان الحاكم ظالماً. وتتصل بهذه المقولة مقولة التمسك بالنظام القائم مهما كان, تجنباً للفتنة والفوضى وتجزئة الأمة. وقد اقتضت المقولتان التمسك بالمؤسسة الدينية كما هي, بما فيه ما أُدخل عليها من بدع وخرافات وأباطيل وممارسات يومية.

وكانت هذه الجماعة تتألف على الأغلب من علماء الدين ومن المفكرين المتمركزين حول العائلات الاقطاعية والمستشارين الملحقين بالخليفة أو السلطان. وقد دعم هؤلاء آراءهم التقليدية المحافظة بالعودة إلى عدد من المفكرين الدينيين القدامى من أمثال الماوردي (991-1031م) وابن تيمية (1263-1328م) وغيرهما. عرّف الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية الخلافة بأنها مستمدة من الشرع وقال بالنقل لا بالعقل, وذهب إلى أن القرآن فرض على الناس طاعة ولي الامر منهم, باعتبار الحاكم خليفة للنبي (صلى الله عليه وسلم) يعنى بحماية الدين وسياسة الدنيا وتنفيذ الأحكام الشرعية, ويتم اختياره من قبل (أهل الحل والعقد) أو بعهد من الخليفة السابق. كذلك أقر ابن تيمية حق الحاكم في أن يفرض الطاعة على رعاياه, وواجب الرعايا أن يطيعوا الحاكم, حتى ولو كان ظالماً بحجة أن ذلك خير من الفتنة وانحلال الأمة.

وما ساعد في استغلال الدين, إخضاع المحاكم الشرعية للتنظيم السياسي الرسمي وجعلها جزءاً لا يتجزأ من جهاز الحكم. وبذلك أصبح بإمكان السلطان أن يفرض أحكامه على المؤمنين بواسطة علماء الدين الذين كانوا يذعنون لتوجيهات السلطة. هكذا شكل العلماء بنية شرعية بيروقراطية هي جزء من بيروقراطية الدولة والجيش وشبيهة بالبيروقراطية الكهنوتية في الطوائف غير الإسلامية, مما جعل للنافذين من العلماء, دوراً مهماً في أجهزة الحكم, فمالوا نحو المحافظة السياسية. وقد حاولوا تسويغ موقفهم المحافظ باللجوء إلى فرضيات لاهوتية, منها النظر إلى علاقة الإنسان بالله بمصطلحات علاقة السيد بالعبد. يقول هشام شرابي في كتابه “المفكرون العرب والغرب” أن “العلاقة نفسها انعكست في خضوع الرعايا لحاكمهم. من ناحية العلماء, لم يكن هناك شك بأن للسلطان (أو الخديوي) سلطة مطلقة فوق رعاياه, وقد شككوا بالأفكار المتعلقة بإقامة حكومة دستورية, وديمقراطية برلمانية.

إذا اعتبر علماء الدين أن الخلافة هي مصدر الشرعية في المجتمع والدولة, وأن الخليفة هو ظل الله على الأرض والخليفة النبي (صلى الله عليه وسلم) تجاه جميع المسلمين وفي جميع بلدان دار الإسلام, بالإضافة إلى كونه سلطان الإمبراطورية العثمانية. وقد عارضوا الإصلاح انسجاماً مع مواقعهم الطبقية في النظام. ولكنهم لم يتمكنوا, رغم سيطرتهم على التربية, من إيجاد مفكر بارز ينطق باسمهم, فشكلوا حركة سياسية أكثر مما شكلوا حركة فكرية. ويعتبر شرابي أن من أسباب عدم تمكنهم من التعبير عن إيديولوجيتهم بأسلوب فكري منهجي, اعتقادهم الراسخ بأنه ليس هناك شيء جديد يمكن أن يقال, فوجّهوا كل طاقاتهم نحو تكرار المقولات التقليدية, غير أنه ظهرت بينهم أمثلة قليلة من أمثال الشيخ أبو الهدى الصيادي (توفي 1900) الذي عمل مستشاراً للسلطان عبد الحميد وشارك في اضطهاد الإفغاني وعبده والكواكبي. وقد ألف عدة كتب وردت فيها أفكار تمجّد الطريقة الرفاعية وأجداده, وهاجم الأفكار الداعية للعودة إلى نقاوة الإسلام كما تخيلها الوهابية وغيرها من الحركات السلفية, وذلك دفاعاً عن حق السلطان في الخلافة وضرورة التفاف المسلمين حوله. ومما ينسب إليه قوله “إن الخلافة ضرورة إيمانية انتقلت شرعياً من أبي بكر إلى العثمانيين; وبأن الخليفة هو ظل الإله على الأرض ومنفّذ أحكامه; وبأن من واجب جميع المسلمين أن يطيعوه وأن يكونوا من الشاكرين إذا أصاب ومن الصابرين إذا أخطأ; وبأن عليهم, حتى إذا ما أمرهم بمخالفة شرائع الله, أن يلجأوا, قبل عصيانه, إلى النصيحة والدعاء, واثقين بأن الله أقوى منهم على تغييره”.

الجماعة السلفية الإصلاحية

ثم كانت هناك الجماعة السلفية الإصلاحية ممن قالوا بإحياء الإسلام والعودة إلى عهده الأول, وتوحد الدول الإسلامية ومواجهة الاجتياح الحضاري الأوروبي. وقد شكل الماضي لبعضهم النموذج الأفضل للمستقبل فبشروا بالإنقاذ عن طريق رفاعة الطهطاوي وخير الجامعة الإسلامية. إننا نشير هنا إلى التيار الإصلاحي الذي قام به رفاعة رافع الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم, وإلى ذلك التيار الوطني المغربي الذي التجأ إلى الدين ومقولات السلف للاحتفاظ بهوية البلاد تجاه قوى تعمل على إلغائها. لقد اختلف هؤلاء مع علماء الدين ودعوا للإصلاح, إلا أنهم انتهوا في خدمة السلطات القائمة, وقد استفاد التيار المحافظ من آرائهم في دعم مواقفه وتسويغ سلطته, كما سنرى من خلال استعراض بعض أعمالهم ونشاطاتهم.

فكر رفاعة الطهطاوي

ولد رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873) في عائلة ثرية توارثت الاهتمام بالعلوم الدينية. وقد أثر محمد علي في حياته تأثيراً مهماً إنْ بتجريد عائلته من ثروتها من خلال تدابيره الإصلاحية أو بتعيينه إماماً لأولى البعثات التي كان يرسلها للتخصص في فرنسا. قضى الطهطاوي بضعة أعوام (1826 – 1833) في باريس, عاد بعدها إلى مصر ونشر كتاباً بعنوان تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز عبّر فيه عن إعجابه بالحضارة الغربية إعجابا ًشديداً, مما جعل شرابي يقول إن الغرب شكل بالنسبة إليه وعداً أكثر مما شكل تهديداً. وبفعل هذا التأثير قال الطهطاوي بواجب اشتراك الشعب في الحكم, وبتغير الشرائع بتغير الأزمنة والظروف, وبأهمية تربية البنات والبنين, وبإمكانية تغيير الشريعة الإسلامية في ضوء حاجات العصر, وبأن محبة الوطن أساس الفضائل السياسية. لذلك نادى علماء الدين للاطلاع على العلوم الحديثة, وطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية, رابطاً بين التقدم والرفاهية. يدلّ كل ذلك على اتجاه ليبرالي إصلاحي عند الطهطاوي, مما يدعو إلى التساؤل عن سبب وضعه ضمن التيار السلفي.

إن التدقيق في كتابه مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية الذي يتضمن أكمل شرح لأفكاره, يبين أنه نظر إلى السلطة السياسية نظرة دينية تقليدية, فاعتبر أن للحاكم سلطة مطلقة, لا يحد منها إلا احترامه للشعب, وتملق محمد علي والخديويين سعد وإسماعيل. وقال الطهطاوي ان على الحاكم احترام علماء الدين وتكريمهم واعتبارهم معاونين له في الحكم, وأصر على اعتبار الحاكم ممثلاً لله ومسؤولاً تجاهه فقط “وليس له من دون الله ديان سوى ضميره, أما رعاياه فعليهم واجب الطاعة المطلقة”. كما أنه ظل ينظر إلى غير المسلمين “كشعوب ذكية” أو أهل ذمة, ويعتبر أن تعليم البنت ضروري لتحسين مؤهلاتها ضمن العائلة وليس الاشتراك في الحياة العامة كما في الغرب حيث “الرجال عندهم عبيد النساء”. ومع أنه كان يعيش في فرنسا أثناء احتلالها للجزائر, لم يعتبرها خطراً بل برّر ذلك بقوله إن أوروبا لا تسعى وراء القوة السياسية والتوسع والسيطرة الاقتصادية بل وراء العلم والتقدم أو التمدن. وفي تبريره للإقبال على العلوم الحديثة, قال انها علوم إسلامية أخذتها أوروبا عن العرب, فيجدر بالمسلمين استعادتها. وبكلمة, تبنى الطهطاوي في كتاباته بعض الأخطار الليبرالية دون أن يتخلى عن منطلقاته السلفية.

فكر خير الدين التونسي

ومن بين أبرز رواد الإصلاح الديني خير الدين التونسي (1810 – 1899) الذي أرسله أيضاً باي تونس إلى باريس حيث بقي أربع سنوات, عاد بعدها ليعين وزيراً ويدخل معركة الإصلاح الدستوري. ثم أصبح رئيساً للوزراء فحاول عدة إصلاحات في الإدارة والتربية والطباعة والمكتبات, غير أن باي تونس تخلى عنه فرحل إلى القسطنطينية واستأنف حياته هناك في خدمة السلطان عبد الحميد الذي ما لبث أن انقلب عليه بدوره. ومنذ ذلك الحين عاش حتى وفاته في شبه عزلة.

وفي كتابه دعا خير الدين لاقتباس عدد من الأفكار والمؤسسات عن أوروبا, شارحاً أن مثل هذه المقتبسات تنسجم مع روح الشريعة الإسلامية. وكان خير الدين التونسي ينادي في الوقت ذاته بالأمة الإسلامية مع ضرورة تقيد سلطة الحاكم بالشريعة وشورى أهل الحل والعقد.

وقد استخلص ألبرت حوراني أن القضية التي شغلت خير الدين التونسي كما شغلت الطهطاوي “تدور حول هذا السؤال: كيف يمكن للمسلمين أن يصبحوا جزءاً من العالم الحديث, دون أن يتخلوا عن دينهم?”. أما المعضلة التي لم يتمكنا من تجاوزها فتكمن في سعيهما للإصلاح فيما يعملان في خدمة سلاطين يتمتعون بقوة مطلقة وفي إصرارهما على الخلافة.

فكر جمال الدين الأفغاني

أما أشهر رواد الإصلاح وأنشطهم وأكثرهم أثراً في الحياة الفكرية والسياسية فهو جمال الدين الأفغاني (1839 – 1897) الذي اعتبر “أستاذ” الحركة الإصلاحية. هو أيضاً حاول أن يعايش هماً مزدوجاً: نادى من ناحية باقتباس أفكار ومؤسسات ليبرالية شملت العلوم الأوروبية الحديثة والحكم الدستوري وإقامة الدولة على أساس العقل وتضامن الطوائف في وحدة المجتمع القومي والتمسك بالسعي لا بالقدرية, ولكنه ظل من ناحية أخرى يعتبر أن الوحدة الحقيقية تقوم على الاعتقاد الديني المشترك أكثر مما تقوم على أي نوع من أنواع الولاءات الأخرى بما فيها الولاءات الوطنية. ونادى بأن دواء ضعف البلدان الإسلامية إنما يكون بالعودة إلى القرآن والإسلام الصحيح وبناء الدولة على أساس ديني. وقد هاجم في كتابه الرد على الدهريين التفسير المادي للتاريخ وأكد أن المجتمع الديني هو أفضل المجتمعات, إطلاقاً, واعتبر أن أهم الفضائل التي في أساس المجتمع هي الحياء والأمانة والصدق. وظهرت ازدواجيته أيضاً في أنه نشط وكتب في سبيل توحيد الإسلام في وجه الغزو الأوروبي ولكنه عمل أيضاً في سبيل قيام تقارب انجليزي إسلامي ضد روسيا, وتوسط بين الإنجليز والمهدي في السودان من أجل إطلاق سراح غوردان والوصول إلى اتفاق أعم, معتبراً أنه يمكن التفاهم مع الغرب الاستعماري. ومما عمّق من ازدواجيته, الغموض في أصوله وانتمائه (هل هو أفغاني أم إيراني; سني أم شيعي?), واختلاف الظاهر والباطن في أقواله وسلوكه, وكونه تكلم أكثر مما كتب فكان وما زال لغزاً. كذلك تظهر مثل هذه الازدواجية في دعوته للإصلاح وتحريضه على الثورة من ناحية, والتعاون مع السلاطين وكأنه يمكن للإصلاح أن يتم على أيديهم في ظل نظام مطلق من ناحية أخرى. وقد اشتهر عنه أنه عمل مستشاراً لشاه إيران ناصر الدين وتعاون مع الإنجليز, وعاش ومات محاطاً بالإكرام في كنف السلطان عبد الحميد.

فكر محمد عبده

وتتلمذ على يدّي الأفغاني عدد كبير من المصلحين, وكان أشهر من تبعه في تعاليمه وحمل رسالته محمد عبده (1849 – 1905) الذي بدأ مثله متمرداً مصلحاً وانتهى محافظاً متصالحاً مع النظام قبل أن يبلغ الأربعين من عمره. خدم السلطة وتُوّج قبل وفاته مفتي الديار المصرية, وكان قد عيّن أيضاً عضواً في المجلس التشريعي وأقام صلة وثيقة بكرومر ورضي بالتعاون مع الإنجليز. وكان قد سمح له الخديوي بالعودة إلى مصر إثر وساطات عدة بما فيها وساطة الوكالة البريطانية. وكان في شبابه قد تحمّس للثورة العرابية وسجن ونفي, فذهب إلى بيروت والتحق بالأفغاني في باريس حيث أصدرا العروة الوثقى الشهيرة, وأسسا جمعية سرية إسلامية, لكنه انتقد عرابي والاتجاه القومي العقائدي وحتى أستاذه الأفغاني, معتبراً أنه كان يتدخل في دسائس القصر في اسطنبول بدلاً من أن يقنع السلطان بإصلاح نظام التربية. وهاجم محمد علي في مقال كتبه بمناسبة الذكرى المئوية لتوليه عرش مصر فقال “إنه لم يستطع يحيي, ولكنه استطاع أن يمي¯ت” إذ أنه من أجل سيطرته الخاصة “سحق رؤساء البيوت الرفيعة والكرام, وأخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى” جاعلاً من “البلاد المصرية جميعها إقطاعاً واحداً على أثر إقطاعات كثيرة لغيره”.

وفيما يتعلق بأفكاره الإصلاحية, انطلق محمد عبده – كما كان الحال بالنسبة للأفغاني – من مقولة انحطاط المجتمعات الإسلامية, وتوصل إلى ضرورة الرجوع إلى ينابيع الدين الأولى وإحياء الدين الصحيح, واقتباس العلوم الأوروبية دون التخلي عن الإسلام. وقد جرى نقاش حاد بينه وبين فرح أنطون حول موضوع التوفيق بين الدين والفكر الحديث, فقال بالعقل والوحي معاً مناقضاً فرح أنطون في كتابه عن ابن رشد, حيث قال ان الدين قضى على الروح الفلسفية.

فكر محمد رشيد رضا

وتبع محمد عبده والأفغاني في آرائهما التوفيقية محمد رشيد رضا (1865 – 1935) الذي أنشأ مجلة المنار بعد مغاردته مدينة طرابلس إلى مصر عام ,1897 لتنطق باسم حركة الإصلاح الديني, فدعا في كتاباته إلى عودة المسلمين إلى القرآن وإسلام الجيل الأول من السلف, وتمسك بفكرة الخلافة مصراً على إحياء الحضارة الإسلامية بالتشاور مع سلطة العلماء وأهل الحل والعقد وتقبل العلوم الحديثة. لكن رشيد رضا كان أكثر تعصباً وتزمتاً من الأفغاني ومحمد عبده, فدخل في عدد من المساجلات الطائفية الهزيلة فوضع اللوم على الشيعة في مسائل البدع والخرافات وعرقلة الوحدة وأيد الوهابية في الجزيرة العربية, وأظهر عداء للمسيحية ولحقوق المرأة مبرراً عدم مساواتها الفعلية (رغم مساواتها المبدئية في الحقوق) على أساس تفوق الرجل في القوة والذكاء, موصياً بممارسة سيطرة الرجل على المرأة إذ “ان الإصلاح الإسلامي المحمدي يقضي بأن يكون لكل امرأة كفيل شرعي يكفيها كل ما يهمها”.

هذه هي نماذج من فكرة حداثة الإصلاح الديني السلفية المتمثلة بالأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا, وهي, رغم اصطدامها بالمؤسسة الدينية التقليدية, ظلّت في التحليل الأخير حركة توفيقية محافظة تعمل في خدمة تثبيت الأنظمة والثقافات السائدة, فمات الأفغاني في كنف عبدالحميد وتعاون عبده مع الإدارة الإنجليزية في مصر وهاجم رشيد رضا بقسوة الفكرة العلمانية, وقال بإعادة بناء الخلافة والمصالحة مع الوضع القائم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى