حتَّى تُولدَ مِنْ جَدِيدٍ..
إنَّ فضلَ الحجِّ عظيمٌ وأجرُه جزيلٌ، والعبادات في الإسلام إمَّا بدنية (كالصَّلاة والصِّيام) وإمَّا ماليَّة (كالزَّكاة) أمَّا الحجُّ: فهو يجمع بين العبادة (البدنيَّة والماليَّة).
فالأولى: بالمشقة والتَّعب والنَّصب، والحلِّ والتِّرحال، والثانية: بالنَّفقة التي ينفقها الحاجُّ في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (متفق عليه). وسُئل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (رواه البخاري). وحثَّ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم على التَّزود من الطَّاعات، والمتابعة بين الحج والعمرة، فقال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنَّهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذَّهب والفضَّة، وليس للحجِّ المبرور ثواب إلا الجنَّة» (رواه الترمذي). وقال صلَّى الله عليه وسلَّم، في حديث يحرِّك المشاعر، ويستحثُّ الخطى: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (رواه مسلم).
ومع هذا الأجر العظيم فإنَّ أيام الحجِّ قليلة، لا تتجاوز أسبوعًا، أليست هذه يا أخي المسلم نعمة عظيمة؟ بلى والله إنَّها نعمة عظيمة. فلا تتردد ولا تتهاون، فالدُّروب ميسرة والطُّرق معبدة، والأمن ضارب أطنابه، وحياة خُلقت فيها للعبادة، فلا تسوف ولا تؤخر، وأبشر فأنت من وفد الرحمن، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم، وأبشر بيوم عظيم تقال فيه العثرة، وتغفر فيه الزَّلة فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: « ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة» (رواه مسلم). فلتهنأ نفسك ولتقرَّ عينك، واستعد للقاء الله عزَّ وجلَّ، واستثمر أوقاتك فيما يعود عليك نفعها في الآخرة، فإنها ستفرحك يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم تتطاير الصُّحف وترتجف القلوب، وتتقلَّب الأفئدة، وترى النَّاس سكارى وما هم بسكارى، ولكنَّ عذاب الله شديد.
أخي الحبيب: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، ولا تسوف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك، ولكن هربًا من كل ذلك استعن بالله وتوكل عليه وكن من الملبين المكبرين هذا العام.
أخي المسلم: أما وقد انشرح صدرك وأردت الحجَّ، وقصدت وجه الله عزّ وجلّ، والدار الآخرة، أرغب بتذكيرك بالأمور الآتية:
1- الاستخارة والاستشارة: فلا خاب من استخار، ولا ندم من استشار، فاستخر الله في الوقت والرَّاحلة والرَّفيق، وصفة الاستخارة: (أن تصلي ركعتين، ثمَّ تدعو دعاء الاستخارة المعروف).
2- إخلاص النِّية لله عزّ وجلّ: يجب على الحاجِّ أن يقصد بحجِّه وعمرته وجه الله والدار الآخرة، لتكون أعماله وأقواله، ونفقاته مقرِّبة إلى الله عزّ وجلّ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّما الأعمال بالنِّيات، وإنِّما لكلِّ امرئ ما نوى» (متفق عليه).
3- تعلَّم أحكام الحجِّ والعمرة: تعلَّم شروط الحجِّ وواجباته، وأركانه وسننه، حتَّى تعبد الله على بصيرة وعلم، وحتَّى لا تقع في الأخطاء التي قد تفسد عليك حجَّك، وكتب الأحكام ولله الحمد متوفرة بكثرة.
4- توفير المؤنة لأهلك والوصيَّة لهم بتقوى الله: فينبغي لمن عزم على الحجِّ أن يوفر لمن تجب عليه نفقتهم، ما يحتاجون إليه من المال والطعام والشراب، وأن يطمئنَّ على حفظهم وصيانتهم وبعدهم عن الفتن والأخطار.
5- التَّوبة إلى الله عزّ وجلّ من جميع الذُّنوب والمعاصي: قال الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
وحقيقة التوبة: الإقلاع عن جميع الذُّنوب والمعاصي، وتركها والنَّدم على فعل ما مضى، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عندك مظالم للنَّاس ردّها، وتحلَّلهم منها سواءً كانت عرضًا أو مالًا أو غير ذلك..
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: “من حجَّ، وهو تارك للصَّلاة فإن كان عن جَحْدٍ لوجوبها، كفر إجماعًا، ولا يصحُّ حجُّه، أمَّا إن كان تركها تساهلًا وتهاونًا، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من يرى صحة حجِّه، ومنهم من لا يرى صحة حجِّه، والصَّواب أنَّه لا يصح حجُّه أيضًا، لقول النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر» وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «بين الرَّجل وبين الكفر والشرك ترك الصَّلاة»” وهذا يعمُّ من جحد وجوبها، ويعمُّ من تركها تهاونًا.
6- اختيار النَّفقة الحلال: التي تكون من الكسب الطَّيب حتَّى لا يكون في حجِّك شيء من الإثم، فإنَّ الذي يحجُّ وكسبه مشتبه فيه لا يُقبل حجُّه، وقد يكون مقبولًا ولكنَّه آثم من جهة أخرى، ففي الحديث عن الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: « إذا خرج الحاجُّ بنفقة طيِّبة ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبَّيك اللهمَّ لبَّيك، ناداه منادٍ من السَّماء: لبَّيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، حجُّك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنَّفقة الحرام الخبيثة ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبَّيك اللهمَّ لبَّيك، ناداه منادٍ من السَّماء: لا لبَّيك ولا سعديك، زادك حرام، وراحلتك حرام، وحجُّك مأزور غير مبرور» (رواه الطبراني برقم:(5228) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم:(1091).
لا يقبل الله إلا كل صـــالحةٍ مــــــا كلُّ من حجَّ بيت الله مبرور
8- الالتزام بآداب السَّفر وأدعيته المعروفة: التي منها دعاء السَّفر، والتَّكبير إذا صعدت مرتفعًا والتَّسبيح إذا نزلت واديًا ودعاء نزول منازل الطَّريق وغيرها.
9- توطين نفسك على الصَّبر: على تحمل مشقة السَّفر ووعثائه وصعوبته، وتحتسب كلَّ ذلك في ميزان حسناتك، فإنَّ بعضَ النَّاس يتأفف من حرٍّ أو قلَّة طعام، أو طول طريق فأنت لم تذهب لنزهة أو ترفيه، واعلم أنَّ أعلى أنواع الصَّبر وأعظمها أجرًا هو: الصَّبر على طاعة الله، ومع توفُّر المواصلات وتمهيد السُّبل إلا أنَّه يبقى هناك مشقَّة وتعب، فلا تبطل أعمالك أيُّها الحاجُّ بالمنّ والأذى، وضيق الصَّدر، ومدافعة المسلمين بيدك أو بلسانك، بل عليك بالرِّفق والسَّكينة.
10- غُضَّ بصرك عمَّا حرَّم الله: واتق محارم الله عزّ وجلّ، فأنت في أماكن ومشاعر عظيمة، واحفظ لسانك وجوارحك، ولا يكن حجُّك ذنوبًا وأوزارًا تحملها على ظهرك يوم القيامة.
تقبل الله طاعاتنا وتجاوز عن تقصيرنا، وجعلنا ووالدينا من المغفور لهم، الملبين هذا العام والأعوام القادمة.
————————————-
المصدر
موقع طريق الاسلام