حسن روف ( انجلترا )
حسن روف ( انجلترا )
مصلح اجتماعي
عندما يعتزم الناس التحول عن دينهم الذي نشأوا عليه بحكم البيئة التي ولدوا فيها فإن الدوافع إلى هذا التحول تكون عادة قائمة على أساس عاطفي أو فلسفي أو اجتماعي . وقد دفعتني فطري إلى البحث عن دين يروي غلتي فلسفيا واجتماعيا فلم يكن مني إلا أن قررت أن أفحص بدقة كل الديانات الرئيسية المعروفة في العالم فأدرس دعواتها وكتبها وآثارها .
كان مولدي من أبوين أحدهما يهودي والآخر كاثوليكي ونشأت في ظل تقليد الكنيسة الإنجليزية واكتسبت خبرة دقيقة بتقاليدها مدة التحاقي بالمدرسة الانجليزية العامة إذ كنت أشترك يوميا ولعدة سنوات في الصلوات الكنسية باعتبارها أحد الواجبات اليومية صم بدأت في سن مبكرة أعقد المقارنات بين العقائد والطقوس في كل من اليهودية والمسيحية ودفعتني فطرتي إلى رفض عقيدتي تجسيد الإله وتكفيره لذنوب البشر ، كما أن عقلي لم يستطع قبول تعدد الأناجيل ونصوصها أو الإيمان بعقيدة لا ترتكز على منطق العقل كما هي التقاليد المرعية في الكنيسة الإنجليزية .
وجدت في اليهودية تصورا لله أكثر إجلالا ، ومع ذلك فإن هذا التصور يختلف باختلاف كتب التوراة، ورأيت اليهودية تحتفظ ببعض من نقائها الذي كانت عليه فتعلمت منها الكثير ، ولكني أيضا لم أقتنع بكثير منها، ولو أننا نفذنا كل تعاليمها ومتطلباتها لاستغرق ذلك وقتنا فلا نحج إلا القليل من الوقت لتدبير شئوننا الدنيوية لأن فيها من الطقوس التي لا تنتهي ما يشغل كل جهدنا العقلي .
ولعل أسوأ ما فيها أنها موجهة إلى أقلية مختارة وبذلك تؤجي إلى وجود هوة فاثلة بين محتلف طبقات المجتمع .
ورغم أنني كنت أشهد الصلوات المسيحية في الكنيسة الإنجليزية كما كنت أحضرها في الكنيس اليهودي، وأشارك في كليهما، إلا أنني في الواقع لم أكن أدين بأي من الديانتين رأيت في الكاثولوكية الرومانية كثيرا من الغموش ومن الخضوع لسلطة البشر وأنها تصم البشرية بالنقص بكعس ما تنسبه إلى البابا وأتباعه من تقديس يكاد يرقى بهم إلى شبه الألوهية .
ثم بدأت أدرس الفلسفة الهندوسية ويصفة خاصة تعاليمها الحديثة عند ( يوبانيشادر وفيدانتا ) وهنا أيضا وجدت الكثير مما يعجبني والكثير مما لم يتقبله عقلي . لم أجد فيها الحل الشافي لأدواء المجتمع ، وفيها ما لاحصر له من المزايا لطائفة القساوسة في الوقت الذي لا تمتج فيه الأيدي بالرحمة إلى المنبوذين المساكين ، وكأنما نصيب أحدهم في الحياة هو خطؤه الشصي وأنه إذا تحمل الحياة وشثاءها صابر عليها فقد تكون حياته الآخرة بعد الموت أسعد حالا . ولعمري ما أسلها وسيلة لإخضاع عامة الجماهير والسيطرة عليهم ، فليس الدين لديهم إلا لإقامة سلطة كهنوتية بيدها مقاليد الأمور ، وما كانت نسبتها إلى الله إلا لمجرد التبرير بأن مشيئته تقتضي بقاء كل شيء على ما هو عليه .
وقد علمتني البوذية كثيرا من العقل وقوانينه ورأيت فيه وسيلة لمحاولة الوصول إلى تفاهم عالمي ، في بساطة إجراء تجربة كيميائية ، على أن يتحمل الفرد التضحيات الضرورية لذلك ، وهنا يكمن رد فعل ضد نظام الطبقات .
ولكني وجدت البوذية خالية من التعاليم الأخلاقية،شأنها في ذلك شأن الهندوسية، ورأيت فيها كيف يصل الإنسان إلى قوة فوق قوة البشر، أو ما تظنه الجماهير كذلك، ولكن سرعان ما وضح لي أن هذه القوة ليست دليل على الرقي الروحي كما يدعون ولكنها تثبت القدرة على التفوق في علم أو فن التدريبات على مستوى أعلى نم الألعاب الرياضية من الناحية السلوكية، وعلى التحكم في العواطف والهيمنة على الرغبات والشهوات مما كان يهدف إليه الرواقيون ( مذهب زنون الفلسفي ) ولكنني لم أجد في كل ذلك ذكرا لله ، فلا تكاد توجد إشارة إلى خالق الكون كله ، وما هي إلا نمط للسلوك الذاتي للفرد كوسيلة للنجاة والخلاص . وفي هذا المذهب تبدو الروحانية ، ولا يقتصر الأمر على البوذية من الناحيةو النظرية أن تنقذ العالم تماما كما تستطيع المسيحية عند ( تولستوي ) والتي تقتصر على كلمات النبي عيسى مجردة مما التصق بها من إذافات وتفسيرات خاطئة .
ولكن إذا كانت هناك معتقدات كثيرة تستطيع من الناحية النظرية إنقاذ العالم فما بالها لم تستطع أن تحقق ذلك في واقع الحياة ؟ الجواب : هو أن مثل هذه العقائد لم تكن تهتم بالكثرة الغالبة م عامة الناس وإنما تخاطب الأقليات . وإذا رجعنا إلى تعاليم كل من المسيحية والبوذية كما أرادها مؤسس كل من الدينين لرأيناها تتجنب التعرض للمشاكل الاجتماعية لعدم اهتمامها بها، وقد دعا كل من عيسى وبوذا إلى التخلي عن الممتلكات وعن كل الرغبات الدنيا للنفس سعيا وراء حسن الصلة بالله بمثل هذه الأقوال : ” لا تقاوموا الشر ” و ” لا تشغلوا بالكم بما يأتي به الغد ” .
وإني لأشعر بكل تقدير واحترام لهؤلاء الذين يستطيعون أن يسلكوا هذه السبيل، وإني على يقين أنها تصلهم بالله ، ولكني على يقين أيضا من أن عامة الناس لا تستطيع سلوك مثل هذه السبيل التي لا يمكنها أن ترتفع بمستوى عامة الفلاحين الجهلاء ، وبذلك تصبح هذه التعاليم قليلة الجدوى من الناحية الاجتماعية ، لأنها فاشلة تماما مع العاديين من عامة البشر فهي نظريات تقبلها العقول ولكنها تعجز تماما عن التأثير في عامة الناس بما يرفع مستواها الروحي والعقلي والمادي في فترة وجيزة من الزمن .
وربما كان من العجيب أنني رغم إقامتي في البلاد العربية فقد كان اهتمامي بالإسلام قليلا وسطحيا ، ولم ينل مني الدراسة الفاحصة التي نالتها الديانات الأخرى ، بيد أني حين أتذكر أن صلتي بالإسلام في أول الأمر كانت عن طريق قراءتي لترجمة ” رودويل ” للقرآن فإنني لا يدهشني أنني لم أشعر نحوه بالحماس .
ثم تعرفت بعج ذلك إلى أحد دعاة الإسلام المعروفين في لندن ، فعجبت لتقصير العرب في تبصير غير المسلمين بالإسلام وفي نشر تعاليم دينهم في بلاد قد يحرزون فيها أحسن النتائج ، وإنك كثيرا ما تشعر لديهم بعدم الثقة في الأجنبي وهو سلوك يتميز به الشرق يستهدف الإخفاء والكتمان بدلا من النشر والإعلان . وبتوجيه سليم من الداعية المسلم قرأت نسخة من القرآن ترجمها وفسرها رجل مسلم ومن خلال قراءتي لكثير من الكتب الإسلامية استطعت تكوين فكرة صادقة عن الإسلام فلم يمض وقت طويل قبل أن أحدني قد وقفت على ضالتي التي بحثت عنها سنوات عديدة .
وذات يوم في عام 1945م دعيت لمشاهدة صلاة العيد وتناول الطعام بعد الصلاة ، فكان في ذلك مناسبة طيبة لأرى عن كثب ذلك الحشد الدولي من المسلمين لا تجد فيه تجمعا عربيا أو عصبيا قوميا ، بل أمشاج من مختلف بلاد العالم ومختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف الألوان .
قابلت هناك أميرا تركيا ، وإلى جواره نفر من المعدمين جلسوا جميعا لتناول الطعام معا لا تلمح على وجوه الأغنياء تواضعا متصنعا أو تظاهرا كاذبا بالمساواة يبدو على الرجل الأبيض في حديثه إلى جاره الأسود ولا ترى بينهم من يعتزل الجماعة ويتنحى فيها ركنا قصيا، ولا تلمح بينهم ذلك الشعور الطبقي السخيف يتخفى وراء أستار مزيفة من الفضيلة .
ليس هناك مجال لشرح كل أمور الحياة التي وجدت في شرائع الإسلام من حلولها ما لم أحده في غيره . ويكفي أن أقول إنني بعد تفكير وتدبر رأيتني أهتدي إلى الإيمان بهذا الدين بعد دراستي لجميع الأديان الأخرى المعروفة في العالم دون أن أقتنع بأي واحد منها .
قد بينت فيما ذكرت لماذا أصبحت مسلما ، ولكن ذلك لا يكفي مطلقا لبيان دواعي فخري واعتزازي بذلك ، فإن هذا الشعور نما وازداد مع مرور الزمن وازدياد تجاربي فقد ردست الحضارة الإسلامية في جامعة إنجليزية وأدركت لأول مرة أنها بلك تأكيد هي التي أخرجت أوربا من العصور المظلمة واستقرأت التاريخ فرأيت كثيرا من أعظم الأمبرواطوريات كانت إسلامية . فلما جاءني الناس ليقولوا لي إني باعتناقي الإسلام سلكت طريق التخلف تبسمت لجهلهم وخلطهم بين المقدمات والنتائج .
فهل يجوز للعالم أن يحكم على الإسلام بمقتضى ما أصابه من انحلال لظروف خارجة عنه ؟ هل يجوز الحط من قيمة الفن العظيم الذي صاحب عصر النهضة الأوربية بسبب انتشار اللوحات الممسوخة في أرجاء المعمورة في أيامنا هذه !! وهل يجوز أن توصم المسيحية بالوحشية وسفك الدماء والبربرية قياسا إلى محاكمات القرون الوسطي ومحاكم التفتيش في إسبانيا .
حسبنا أن نعلم أن أعظم العقول وأكثرها تقدما في جميع العصور كانت كلها تنظر بكل تقدير إلى الثقافة الإسلامية التي ما تزال أكثر لآلئها مكنوزة لم يتوصل الغرب إليها .
لقد سافرت إلى أنحاء كثيرة ي أنحاء المعمورة وأتيحت لي الفرصة لأرى كيف يستقبل الغريب في كل مكان وأن أعرف أين يكون إكرامه أول ما يخطر على البال . وأين يكون التصرف الأول في التحري عنه وعن الفائدة التي تأتي عن مساعدته، فلم أجد في غير المسلمين من يدانيهم يف إكرام الغريب والعطف عليه من غير مقابل .
ومن الناحية الاقتصادية نجد أن الجماعات الإسلامية وحدها هي التي أزالت الفاصل بين الأغنياء والفقراء ، بطريقة لا تدفع الفقراء إلى قلب كيان المجتمع وخلق الفوضى . ويمكنني القول : إن الشيوعية السوفيتية الحديثة ما كان لها أن تولد في ظل دولة إسلامية .
نبذة من كتاب أني (annie besant ) مدارس – ينيه 1932م ص 3 . كثيرا ما يرد في فكري أن المرأة في ظل الإسلام أكثر حرية منها في ظل المسيحية ، فالإسلام يحمي حقوق المرأة أكثر من المسيحية التي تحظر تعدد الزوجات . وتعاليم القرآن بالنسبة للمرأة أكثر عدالة وأضمن لحريتها ، فبينما لم تنل المرأة حق الملكية في انجلترا إلا منذ عشرين سنة فقط ، فإننا نجد أن الإسلام قد أثبت لها هذا الحق منذ اللحظة الأولى ، وإن من الافتراء أن يقال إن الإسلام يعتبر النساء مجردات من الروح .
……………………………………………
نقلا عن موقع التوضيح لدين المسيح