حوار حول تحريف الإنجيل
هذا الحوار تم بين الأستاذة الدكتورة زينب عبد العزيز(أستاذ الحضارة الفرنسية) والدكتور غطاس توفيق حول تحريف الإنجيل:
س: أنت تدّعين تحريف الكتاب المقدس.
ج: أنا لا أدعى، فهذه حقيقة مؤكدة، وأنا أقدمها للقراء دفاعا عن دينى.
” فالكتاب المقدس فى جميع أسفاره عبارة عن عملية تزوير قامت بها الكنيسة المسيحية، وأن كل فقرة من هذه الفقرات الهامة التى بنت عليها الكنيسة عقائدها الأساسية عبارة عن عمليات تزوير متتالية بوعى وإدراك وتمت بنية التزوير عمدا ً” (جوزيف هويليس: “التزوير فى المسيحية”)
وهو واحد من كبار رجال القانون الأمريكى وواحد من آلاف الكاشفين لعمليات التحريف هذه..
س: من الذى حرّف الكتاب المقدس ؟
ج: كل الذين ساهموا فى كتابته وكل الذين يتولون طباعته وتعديله من طبعة لأخرى. فالأناجيل قد صيغت بعد الأحداث التى تحكيها بحوالى 140 أو 150 سنة، وما من إنجيل كتبه الشخص المعروف الإنجيل بإسمه، وما من كاتب منهم كان شاهداً مباشراً للأحداث، والقيمة التاريخية للأناجيل شبه منعدمة (روجيه بيترينيه: ” يسوع المسيح أسطورة أم شخصية تاريخية ؟ “)..
س: ما هى التحريفات المزعومة التى تمت ؟
ج: من المحال ذكرها جميعا فعددها، وفقا لآخر ما نُشر، يفوق عدد كلمات الأناجيل كما يؤكد العلماء فى الغرب ! لكنه يمكننى الإشارة يقينا إلى أعمال “ندوة عيسى” التى تولاها معهد ويستار بالولايات المتحدة Westar Institute فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى وخرج بأن 82 % من الأقوال المنسوبة إلى يسوع لم يتفوه بها، وأن 84% من الأفعال المنسوبة إليه لم يقم بها، وابحاث المعهد موجودة ومنشورة.. إضافة إلى النتائج التالية التى توصلوا إليها وأقروها بالإجماع العلنى، فكل جلساتهم الختامية علنية بحضور من يشاء من الجمهور:
• أن يسوع لم يقل أن يؤمن أحدا بأن موته كان تكفيرا عن خطايا البشر
• ويسوع لم يقل أنه المسيح
• ويسوع لم يقل أنه الأقنوم الثانى من الثالوث
• و يسوع لم يطالب الأتباع بعملية الإعتراف الدورى، والندم، أو الصيام
• ولم يهدد أحداً بالجحيم كما لم يَعِد أحداً بالسماء
• ولم يقل يسوع أنه سيصحو من بين الموتى
• ولم يقل أنه وُلد من عذراء ولم يطالب أحداً بالإيمان بذلك
• ولم ينظر يسوع إلى النصوص على أنها معصومة من الخطأ أو أنها ملهمة من الله !
• وهو ما أعلنه رسميا روبرت فانك رئيس الندوة فى صيف 1994.. وما على غير المقتنع بهذه النتائج إلا أن يقرأ الأناجيل تباعاً ويقرأ هذه الأبحاث ليتأكد بنفسه من كل هذه الحقائق التى تمثل، بلا أدنى شك، السبب الرئيسى لإبتعاد الأتباع فى الغرب عن المؤسسة الكنسية وأناجيلها..
س: فى أى عهد أو تاريخ تمت التحريفات ؟
ج: فى كافة العهود والأزمنة، عبر المجامع على مر العصور، منذ بداية صياغة الأناجيل وحتى يومنا هذا..
س: أين النسخة الأصلية ؟
ج: لا توجد نسخة أصلية معروفة للآن – وقد تكون المؤسسة الكنسية فى سبيلها إلى فبركة نسخة من كثرة تكرار هذا السؤال حاليا بعد كل ما تكشف بفضل الأبحاث العلمية الدائرة حتى بأيدى كنسيين..فأول فُتات باقية من بردية ما يرجع تاريخها إلى عام 125 م، وأول أجزاء من نص يمكن الإعتماد عليها نسبيا ترجع إلى حوالى عام 200م، كما لا توجد نسختان متشابهتان من بين مئات أو آلاف النسخ التى وصلت إلى عصرنا إلا إبتداء من عام 1455 بفضل جوتنبرج، الذى طبع أول نسخة من الكتاب المقدس والمعروفة باسم “ذات الإثنان وأربعين سطراً “.. أى أنه حتى ذلك التاريخ كان الكتاب المقدس يُنسخ باليد، وهو ما يسمح بمختلف أنواع الأخطاء والتحريف من العمد المتعمّد إلى السهو والخطأ.. والصور المنشورة فى كتاب بارت إيرمان “مسيحيات ضائعة” (2003، صفحة 218) تؤكد ذلك، حيث نشر صفحة عليها شطب وتعديل ثم تعليق مصحح آخر يقول للأول:
“أيها الأحمق الغبى أترك الكلمة الأولى كما كانت”!..
صورة لمخطوطة سيناء يظهر فيها الشطب والتغير بشكل واضح
وأول نسختان كاملتان هما النسخة السيناوية (نسبة إلى سيناء) والنسخة الفاتيكانية ويقال أنهما من القرن الرابع.. وأهم ما تكشف عنه هتان النسختان، من ضمن ما تكشف، أن إنجيل مرقس كان ينتهى بالإصحاح 16 عند الآية 8.. أما الآن فينتهى عند الآية 20 ! وذلك بخلاف آلاف المتناقضات بينها وبين الأناجيل الحالية، وخاصة احتوائهما على إصحاحات تم حذفها، إضافة إلى ما اشرت إليه فى مقالىّ “التحريف فى الأناجيل” حول هذان الأصلان..
أما النسخة الأصلية التى أشرت إليها فى مقالات سابقة والتى كان يسوع عليه السلام يبشّر بها، وهو ما ؤكده بولس الرسول فى رسائله، كما رأينا فى أكثر من آية، فيّسأل عنها المؤسسة الكنسية التى إحترفت ولا تزال لعبة التغيير والتبديل حتى أن عبارة “طاحونة تزوير لا تكل ولا تتعب” باتت من أشهر التعليقات المنتشرة بين العلماء الجادين فى الغرب !.
س: فى أى قسم من الكتاب المقدس تم التحريف أفى العهد القديم أن الجديد ؟
ج: ما من إصحاح فى العهدين، القديم والجديد، يخلوا من التحريف، وأقصد به التحريف بالمعنى العلمى للكلمة، وهو يختلف عن المتناقضات، القائمة على الإختلاف فى المعلومة. أما التحريف فيقع أساسا فى تغيير المعنى سواء فى النص الأصلى أو فى الترجمة، وهو يختلف أيضا عن الحذف والإضافة، وجميع هذه الأشكال التحريفية واردة بالكتاب المقدس !..
ومن أشهر النماذج على التحريف تغيير معنى كلمة “إمرأة شابة” فى نص السبعينية اليونانى، وترجمته بكلمة “عذراء”.وليست هذه الحقيقة بمجهولة فقد لام النقاد القديس جيروم فى حينها علي هذا الخطأ، ومنهم جوفيانوس، فأجابه جيروم قائلا: “أعلم أن اليهود إعتادوا أن يواجهونا بالإعتراض على ترجمة كلمة Almah وأنها لا تعنى “عذراء” وإنما “إمرأة شابة” وأعلم أن العذراء تقال Bethulah وأن المرأة الشابة ليست Almah وإنما Naatah ” !.(وارد فى “التحريف فى المسيحية” صفحة 64). ونطالع فى مجلة “إكسبرس” الفرنسية، العدد رقم 2841 الصادرة فى 15-21/12/2005 والذى يضم ملزمة بأسرها تحت عنوان يتصدر الغلاف يقول: “الصواب والخطاء فى الكتاب المقدس” ومما ورد بهذه الملزمة: ” أن الأصل الذى يعتمدون عليه هو السبعينية وهى ترجمة من العبرية إلى اليونانية وثبت أن بها مآخذ واضحة بُنىَ عليها كثير من العقائد المسيحية ومنها الحمل العذرى إذ تحولت عبارة “إمرأة شابة” عند الترجمة إلى “عذراء”، وهو ما سمح للكنيسة بتأكيد بدعة عذرية مريم، ثم عذريتها الدائمة قبل وأثناء وبعد الوضع” !.. وقد إستشهدت بهذه المجلة أيضا لأوضح لك إلى أى حد باتت هذه المعلومات دارجة يتم تناولها لا فى المراجع العلمية فحسب وإنما فى المجلات والصحف الغربية، لذلك فقد الغرب المسيحى معنى قدسية النص أو إيمانه بذلك الدين من كثرة ما ألمّ به على مر العصور..
وهناك مثال آخر حول تحريف كلمة أشقاء يسوع عليه السلام، فالنص اليونانى يحمل عبارة “أدلفوس” adelphos وتعنى أخ شقيق، وتم ترجمتها فى كافة التفاسير الكنسية بكلمة “أنبسوي” ( anepsoi) وتعنى إبن العم، إذ لا يجوز أن يكون لمن جعلوه إلهاً أولاد أخ أو أخت و يكون هو عم لأبناء أشقائه وشقيقاته الوارد أسماءهم بالأناجيل الحالية..
س: هل تم التحريف قبل ظهور الإسلام أم بعده ؟
ج: التحريف تم يقيناً قبل وبعد ظهور الإسلام، ولن أقول لك إرجع إلى كل ما كتب فى الغرب حول التحريف فى الكتاب المقدس، فما كتب لا يمكن حصره، و إنما سأقول إن شئت فارجع إلى القرآن الكريم الذى تستشهد منه باستبعاد الآيات عن سياقها أو ببترها، وامسك بكراسة وقلم لتحصى وتدوّن عدد الآيات التى تتهم أهل الكتاب من يهود ونصارى بمختلف ما قاموا به من تحريف وتزوير وأكاذيب، ستجد أن عددها يساوى ثلث القرآن.. وهو ما أشار إليه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين قال أن سورة “الإخلاص” تساوى ثلث القرآن، وهى وحدها بآياتها الأربعة تفند عملية تأليه يسوع عليه السلام وكل ما قامت به المؤسسة الكنسية:
“قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد “..
فرسالة التوحيد بالله واحدة، أتى بها كل الأنبياء والرسل،عليهم جميعا الصلاة والسلام، فمنهم من نعرفه تحديداً ومنهم من اشار إليه القرآن ضمنا.. ولو إختصرنا التاريخ فى كليمات لوجدنا أن رسالة التوحيد بالله هى أساس الدين، وأنها بُلّغت للنبى موسى وحين حاد اليهود عنها بالعودة إلى العجل وذبح الأنبياء، وهو الوارد فى الإنجيل وفى القرآن، أتى النبى عيسى لتصويب المصار قائلا: “وما أتيت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة” (وهو ما يتنافى قطعا وعملية تنصير العالم الدائرة حالياً)، وحينما حاد النصارى عن التوحيد بتأليه عيسى فى مجمع نيقية الأول سنة 325 م وإختلاق بدعة الثالوث، أتى النبى محمد مصوباً وخاتماً لرسالة التوحيد التى يُصر البعض على استمرار تحريفها، وكلهم أنبياء أتوا بنفس الرسالة !