مقالات

من أسرار القرآن :(… فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ …)

 


بسم الله الرحمن الرحيم

من أسرار القرآن :


(… فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ …)


(البقرة: 185).


يقول ربنا- تبارك وتعالى- في محكم كتابه :


( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ*) (البقرة: 185).
ونفهم من هذه الآية الكريمة أن الله- تعالى- يشرف شهر رمضان باختياره من بين شهور السنة القمرية الإثني عشر من أجل إنزال هدايته للبشرية فيه.


هذا يؤكد كرامة خاصة لشهر رمضان, كما يؤكد ضرورة الأخذ بالشهور القمرية,  لأن القمر هو أقرب أجرام السماء إلى الأرض, ومن ثم فإن حركته هي أوضح بالنسبة إلينا من حركة أي جرم سماوي آخر.
وفي هذا النص القرآني الكريم إيجاب على كل من شهد استهلال شهر رمضان من المسلمين, وكان بالغا, عاقلا, معافى في بدنه, مقيما أن يصوم الشهر لا محالة.


والشهود المقصود هنا هو حضور المسلم بداية الشهر, أو رؤية هلال رمضان, أو التأكد من دخول الشهر بأية وسيلة صحيحة, وذلك لأن (الشهود) و (الشهادة) هي الحضور مع المشاهدة إما بالبصر, وإما بالبصيرة, وإما بهما معا, ولكن الشهود بالحضور المجرد أولى هنا, وهي قول صادر عن علم يقيني, ويأتي الفعل (شهد) بمعنى استيقن أي علم علما قاطعا, ويأتي ضمن ذلك الحساب الفلكي.


والخطاب القرآني بالأمر الإلهي ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) هو خطاب لجميع المسلمين المكلفين بالصيام, وليس معنى ذلك مطالبة كل مكلف برؤية الهلال لاستحالة تحقيق ذلك, ومن هنا فإن المعنى المقصود من قول ربنا- تبارك وتعالى- ( فمن شهد ) هو من أدرك شهر رمضان, وعلم بثبوت رؤية هلاله, وذلك بنفسه أو بواسطة أهل العلم والرأي والحكم وجب عليه الصوم إذا كان مكلفا.
ويؤكد هذا الفهم قول ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا رأيتموه فصوموا , وإذا رأيتموه فأفطروا , فإن غم عليكم فاقدروا له “ والتقدير هو الحساب , وعنه أيضا أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال ” إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب “.
وذلك لا يعني عدم الحساب, بل هو من قبيل التسهيل على الأمة في زمن لم يكن متاحا لها أي من المعارف والتقنيات المتوافرة لنا اليوم.
وقد أكد المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: لا تصوموا حتى تروا الهلال, ولا تفطروا حتى تروه, فإن غم عليكم فاقدروا له “.
والتقدير هنا يشير إلى الحساب, وإلى غيره من الوسائط المتاحة, والتقنيات المتطورة فالحساب الفلكي المبني على أسس علمية صحيحة, والذي يعين على رؤية كل من هلال رمضان بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان وهلال شوال بعد غروب شمس التاسع والعشرين من رمضان, باستخدام كل من الحسابات الفلكية والمتاح من التقنيات المتطورة من مثل (المقربات , والطائرات , والأقمار الصنعية وغيرها) هو المناط الحقيقي لإثبات دخول الشهر.


ورؤية الهلال إذا ثبتت بعد غروب الشمس في أية بقعة من بقاع الأرض, فإن ثبوتها ملزم لجميع الأقطار الأخرى متى علموا بها, وذلك لأن عملية ميلاد الهلال هي حدث كوني, غير مرتبط ببقعة محددة من الأرض, فإذا رؤي الهلال بعد غروب الشمس في أي بقعة من الأرض دخل الشهر القمري بالنسبة للأرض ككل, مع اعتبار الفروق الزمنية, ولكن لما كان كل من القمر والأرض يدور حول محوره من الغرب إلى الشرق, فإن البلاد في نصف الكرة الغربي ترى هلال أول الشهر لفترة أطول من البلاد في نصفها الشرقي, ويبقى فرق التوقيت بين أبعد نقطتين على سطح الأرض لا يتعدى (12) ساعة بالزائد أو الناقص.
كذلك فإن التغير في طول أي من الليلأو النهار يتضاعف باستمرار في اتجاه خطوط العرض العليا, فإذا وصلنا إلى خط عرض (48,5) شمالا أو جنوبا فإن شفق العشاء يتصل بشفق الفجر في فصل السيف, ويكون طول الليل حوالي أربع ساعات فقط, وهنا يلزم التقدير على أساس من أقرب منطقة تنتظم فيها العلامات الفلكية, أو صيام عدة من أيام أخر.
وفي زمن تسارع وسائل الاتصال الذي نعيشه لم يعد هناك مجال لاختلاف الأمة في تحديد أوائل الشهور القمرية, فعلى قادة العالم الإسلامي أن يعملوا على جمع كلمة المسلمين في ابتداء الصوم وانتهائه لعل ذلك أن يكون عونا على إعادة توحيد هذه الأمة من جديد, وما ذلك على الله بعزيز والحمد لله رب العالمين.

 


 

المراجع

بقلم الأستاذ الدكتور/ زغلول راغب النجار

المصدر

www.elnaggarzr.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى