الإلحاد وحقيقته

من القيم السلوكية لعبادة الحج

بقلم : د زغلول النجار


الأصل في العبادات أنها لا تُعلل، ولكن إذا أدرك العابد الحكمة من ورائها أتقن أداءها، وضبط سلوكه حيال ذلك الأداء، واستمتع به روحيا ومعنويا بدرجة كبيرة، وحققت العبادة الغاية من فرضها , وثبت بها الأجر إن شاء الله  تعالى.


ومن الحكم التي أردكناها من فريضة الحج ما يلي:

أولا: تعريض الحجيج  لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة حتى تتضاعف البركات ويتضاعف الأجر إن شاء الله .
ثانيا: تذكير الحاج بمرحلية الحياه ،وبحتمية الرجوع إلي الله .
ثالثا: الاستفادة بهذا المؤتمر الإسلامي الدولي في مناقشة قضايا المسلمين والعالم .

وفي ضوء هذا الفهم يلتزم الحاج بعدد من القيم السلوكية التي منها ما يلي:
(1) استشعار جلال كل من المكان والزمان بالتزام السكينه والخشوع.
(2) الاكثار من العبادة، والاستغفار، والدعاء، والتلبيه.
(3) الصبر على ما يمكن أن يتعرض له الحاج من الشدائد والمكاره .
(4) الاجتهاد في تطبيق معنى الأخوة الإنسانية .
(5) التواضع ولين الجانب .
(6) التراحم بين الحجيج .
(7) الجود والكرم والبذل في سبيل الله .
(8) الحلم، والعفو، والصفح، وترك المراء .
(9) الإلتزام بخفض الصوت وأدب الحديث .
(10) الرفق بالعباد والمبادرة بمساعدة الضعفاء من المرضى وكبار السن .
(11) الإلتزام بحقوق المرافقين وضوابط الجماعة وقوانين الدولة المضيفه ونظمها .

مقدمة:
(الحج) : يعنى قصد مكه المكرمه لأداء عبادة الطواف، والسعى، والوقوف بعرفه، وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع، ولو مرة واحدة في العمر، وذلك استجابه لأمر الله، وابتغاء مرضاته، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض من الفرائض المعلومه من الدين بالضرورة، وحق لله  تعالى  على المستطيعين من عباده ذكورا وإناثا لقول الحق  تبارك وتعالى :
” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً و مَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنيٌّ عَنِ العَالَمِينَ “ (آل عمران 97) .
والحج هو عبادة من أَجَلَّ العبادات وأفضلها عند رب العالمين بعد الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله ، وذلك لما رواه أبو هريره  رضى الله عنه  أن رسول الله  صلى الله عليه  سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال : “إيمان بالله ورسوله”، قيل : ثم ماذا؟ قال: “ثم جهاد في سبيل الله”، قيل : ثم ماذا؟ قال: “ثم حج مبرور”، أي الذي لا يخالطه إثم . وأصل (العبادة): الطاعة، و (التعبد) :هو التنسك، والطاعة المبنية على أساس من الطمأنينة العقلية والقلبية الكاملة لا تحتاج إلي تبرير، ولكن إذا عرفت الحكمة من ورائها أداها العبد بإتقان أفضل، وكان سلوكه في أدائها أنبل وأجمل.

خاصة وأن من مآسى عصرنا الجلية:

ظاهرة المفاصلة بين العبادة والسلوك مما يفقد العبادة دورها في ترفيق القلب، وتهذيب النفس، وضبط السلوك، وزيادة الإحساس بمعية الله  تعالى  ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في أثناء أداء فريضة الحج وذلك لشدة الزحام، ولمحدودية الوقت، ولكثرة التكاليف الشرعية فى هذه الفترة المحدودة ولجهل القطاع الغالب من الناس بحقيقة  هذه العبادة والحكمة من أدائها, و لكن إذا فهمت الحكمة من أداء هذه الفريضة العظيمة أداها العبد أحسن الأداء وأكمله، وأعان غيره من إخوانه على حسن أدائها، وذلك بحسن الفهم، والالتزام بالنظم، والإيثار على النفس تقربا إلي الله  تعالى  وتضرعا، وحبا في عون عباد الله والمسارعة إلي نجدتهم، واعتبار ذلك من تمام أداء هذه العبادة التي يساويها خاتم الأنبياء والمرسلين  صلى الله عليه وسلم بالجهاد إذ يقول: “جهاد الكبير، والضعيف، والمرأة، الحج “ (النسائى) .

من الحكم والأهداف المستفاده من أداء فريضه الحج لهذه الفريضه الإسلامية الجليله حكم عديدة منها:

أولا: تعريض كل من حج البيت ولو لمرة واحدة في العمر لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة:
فالله  تعالى  خلق كلا من المكان والزمان، وجعلهما أمرين متواصلين فلا يوجد مكان بلا زمان، ولا زمان بلا مكان. وكما فضًّل الله بعض الرسل على بعض، وبعض الأنبياء على بعض، وبعض أفراد البشر على بعض فضًّل  سبحانه وتعالى  بعض الأزمنه على بعض، وبعض الأماكن على بعض , فمن تفضيل الأزمنه جعل ربنا تبارك وتعالى يوم الجمعة من أفضل ايام الأسبوع، وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة، وجعل الليالى العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالى السنة، وجعل أشرفها على الإطلاق ليلة القدر التي جعلها الله  تعالى  خير من ألف شهر.
ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج، ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم ومن الأيام جعل ربنا  تبارك وتعالى  أشرفها الأيام العشرة الأولى من شهر ذى الحجة، وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة، وفى ذلك يروى عن جابر  رضى الله عنه  أنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: ” ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذى الحجة ” فقال رجل: هن أفضل أم من عدتهن جهادا في سبيل الله ؟ قال  صلى الله عليه وسلم  : ” هن أفضل من عدتهن جهادا فى سبيل الله وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلي السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: أنظروا إلي عبادى، جاءونى شعثاً غبرا ضاحين. جاءوا من كل فج عميق ، يرجون رحمتى ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة “ (رواه أبو يعلى، والبزار، وابن خزيمه، وابن حبان، واللفظ له)، ولذلك كان الوقوف بعرفه هو ركن الحج الأعظم .
ومن تفضيل الأماكن، فضَّل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض، ومن بعدها فضل مدينة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ومن بعدها فضل بيت المقدس كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله  صلوات الله وسلامه عليه فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان تضاعفت البركات والأجور إن شاء الله .
ومن هنا كان من حكم فريضة الحج  بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهى  تعريض كل مسلم، بالغ، عاقل ، حر، مستطيع ، ذكرا كان أو أنثى، ولو لمره واحدة في العمر لبركه المكان (الحرم المكي الشريف) في بركة الزمان (الأيام العشرة الأولى من ذى الحجة إن لم يكن لشهرى ذى القعدة وذى الحجة كاملين) ولذلك قال  تعالى : ” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ” (آل عمران97).
وقال المصطفى  صلى الله عليه وسلم : “هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر، كان مضمونا على الله، إن قبضه أن يدخله الجنة، وإن رده، رده بأجر وغنيمة “.
وروى كل من الإمامين البخارى ومسلم عن أبي هريره  رضى الله عنه  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” العمره إلي العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة “.
ورى كل من الإمامين الترمذى والنسائى عن عبد الله بن مسعود  رضى الله عنه  أنه قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : ” تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضه. وليس للحجه المبرورة ثواب إلا الجنة “ .

من الدلائل الحسية على كرامة الحرم المكي الشريف:
(1) توسطه من اليابسه التي تتوزع حول هذا الحرم توزعا منتظما كما أثبت ذلك الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين  رحمه الله في دراسته العلمية الجادة لتحديد اتجاهات القبلة من المدن الرئيسية في العالم .
(2) انعدام الانحراف المغناطيسى عند خط طول مكه المكرمة ( ´817  39° شرقا) .
(3) وجود أركان الكعبه المشرفة في الاتجاهات الأصلية الأربع تماما .
(4) تفجر عين زمزم وسط صخور نارية ومتحوله مصمطه وفيضانها لأكثر من ثلاثة ألاف سنة .
(5) ثبوت الطبيعة النيزكيه لكل من الحجر الأسود ومقام إبراهيم مما يثبت أنهما من أحجار السماء ، وليسا من أحجار الأرض كما قرر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في أكثر من حديث نبوى شريف .

من الدلائل الدينية على كرامه الحرم المكى الشريف:
(1) اختياره مكانا لبناء أول بيت وضع للناس يقول فيه ربنا  تبارك وتعالى :
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ “ (آل عمران96).
(2) اختيار الكعبة المشرفه قبله للعابدين، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى  :
” قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ “ (البقرة 144).
(3) أنها المدينة الوحيدة التي ورد ذكرها وذكر حرمها الشريف فى كتاب الله سبعة وعشرين مرة. وسميت باسمها سورة من سور القرآن الكريم هي سورة ” البلد “.
(4) أنها المدينة الوحيدة التي أقسم بها ربنا  تبارك وتعالى  فى محكم كتابه  وهو تعالى الغنى عن القسم  فقال عز من قائل: ” لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ ” (البلد:1).
وقال : ” وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ.  وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ “ (التين3:1).
والبلد هنا هي مكة المكرمة وحرمها الشريف الذي حرمه الله  تعالى  يوم خلق السماوات والأرض، وجعله حرما آمنا. ونفى القسم في اللغه العربية توكيد له، وتعظيم للأمر المقسم به .  ومن هنا كان الحج حقا لله  تعالى  على كل مسلم ، عاقل ، بالغ، حر، مستطيع، وكانت العمرة عبادة من أجل العبادات، ومن أعظم القربات إلى الله  تعالى  وفي ذلك يقول المصطفى  صلى الله عليه وسلم  :
الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم “ (رواه الإمام ابن ماجه في سننه)
ويقول  صلوات الله وسلامه عليه  : ” إن الله  تعالى  ينزل على أهل هذا المسجد مسجد مكة المكرمة  في كل يوم وليله عشرين ومائة رحمة : ستين للطائفين، وأربعين للمصلين ، وعشرين للناظرين “ (رواه الطبرانى في المعجم الكبير) .

(5) ذكر اسم ” وادى بكه ” في أحد المزامير المنسوبة إلي داود  عليه السلام  في العهد القديم  (المزمور 84/6) .

والذي جاء فيه باللغة الإنجليزية ما يلى:
ولكن في الترجمه إلي اللغة العربية (نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ص 892) تم تحريف(وادي بكه) إلي (وادي البكاء) كما تم تحريف كلمه الحج إلي (بيتك) اي بيت الله فجاءت الترجمة على النحو التالي: “طوبي لاناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا. أيضا ببركات يغطون موره
والخلاف بين النصين العربي والإنجليزي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، والقصد من التحريف أوضح من كل تعليق .
(6) تؤكد أحاديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم  على خصوصية الحرم المكي ومنها أن أرضه هي أول ما خلق من اليابسة، وأنها تحت البيت المعمور مباشرة ، وأنها في مركز الكون، وأنها قد حرمها الله  تعالى  يوم خلق السماوات والأرض .

وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني كثيرة نختار منها ما يلي:
” كانت الكعبة خشعة على الماء فدحيت منها الأرض ” . (الهروى /الزمخشرى)
” دحيت الأرض من مكة، فمدها الله  تعالى  من تحتها فسميت أم القرى ” .
,وفي شرح هذا الحديث الشريف ذكر كل من ابن عباس وابن قتيبه (رضى الله عنها) أن مكة المكرمة سميت باسم ” أم القرى” لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض، والدراسات الحديثة تؤكد ذلك التفسير وتدعمه، كما تفسر قول ربنا  تبارك وتعالى مخاطبا خاتم أنبائه ورسوله  صلى الله عليه وسلم :
وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ “ (الانعام 93)
وتفسير قوله  تعالى  في خطاب مشابه: ” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ” (الشورى 7)
وإذ جمعت هاتان الآيتان الكريمتان مع قول الحق  تبارك وتعالى  مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله  صلى الله عليه وسلم  قائلا له: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ  لاَ  يَعْلَمُونَ “ (سبأ 28)
يروى الإمام مجاهد عن رسول الله  صلوات الله وسلامه عليه  قوله : ” إن الحرم حرمٌ مناء من السماوات السبع والأرضين السبع “ (أخرجه الأزرقي في أخبار مكة/ 355)
وقد أثبتت الدراسات الحديثة وجود سبعة نطق متمايزة في أرضنا، يغلف الخارج منها الداخل، وأن الكعبة المشرفة في وسط الأرض الأولى، ومن دونها ست أرضين. وحول الأرض سبع سماوات متطابقة، يغلف الخارج منها الداخل كما أخبرنا القرآن الكريم الذى يؤكد على مركزية الأرض من الكون بمقابلتها بالسماء في عشرات الآيات على ضآلة حجم الأرض إذا قورنت بضخامة حجم السماء  وبالتأكيد على البينية الفاصلة للأرض عن السماوات في عشرين آية قرآنية كريمة. وبالإشارة إلى جميع أقطار السماوات والأرض في سورة الرحمن (الآية رقم 33). ولذلك قال المصطفى  صلى الله عليه وسلم :
البيت المعمور منا مكة “ (أخبار مكة للأزرقى)
و(مناء) أو (منا) معناها قصده وفي حذاه، ووصف خاتم الأنبياء والمرسلين  صلي الله عليه وسلم  البيت المعمور في حديث أخر بقوله الشريف: البيت المعمور هو بيت في السماء السابعة على حيال الكعبة تماماً حتى لو خر لخر فوقها، يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك فإذا  خرج آخرهم لا يعودون “. وقال  صلي الله عليه وسلم:” البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراع وهو بحيال الكعبة “ (رواه البيهقي في شعب الإيمان)
ويؤكد خاتم الأنبياء والمرسلين  صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين  على مركزية مكة المكرمة من الكون بقوله الشريف: ” بايعوا أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء “ (رواه الفاكهي في أخبار مكة).

وفي حرمة مكة المكرمة يروى عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أقوال كثيرة منها:
” إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس ”  (صحيح البخاري /722)
” إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ”
(رواه كل من الإمامين البخاري وأحمد)
” إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة “ (مصنف عبد الرازق 5/140)
وقال رسول الله  صلي الله عليه وسلم  فيما خطب به الناس يوم الفتح:
” إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص في قتال فيها، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن له ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس” (صحيح البخاري 1/723)
وختم  صلي الله عليه وسلم  هذه التوصيات على حرمة مكة المكرمة بقوله  الشريف:
” لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا “ (أخرجه كل من الإمامين أحمد وابن ماجة)
ويقول ربنا  تبارك وتعالى  على لسان خاتم أنبيائه ورسله  صلي الله عليه وسلم  ” إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ “ (النمل 91).
ويقول  عز من قائل : ” وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ “ (البقرة 191)
وفي هذا المعني قال رسول الله  صلي الله عليه وسلم:“لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة” (صحيح مسلم)
ومن هنا كان تغليط الدية  على مرتكب جناية القتل في الحرم المكي كله، وتغليط العقوبة على المسيئين فيه انطلاقاً من قول ربنا  تبارك وتعالي: ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ “ (الحج 25)
(7) تحريم دخول المشركين إلى الحرم المكي انصياعاً لأمر ربنا  تبارك وتعالي  الذى يقول فيه: ” إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا “ (التوبة: 28)
(8) تحريم كل من الحرمين المكي والمدني على الدجال  لعنه الله  وذلك انطلاقاً من قول رسول الله  صلي الله عليه وسلم: ” ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة “ (متفق عليه).
(9) وجوب الإحرام لكل من الحاج والمعتمر قبل الدخول إلى مكة المكرمة، وقبل تجاوز مواقيتها، وجعل تحية الكعبة الطواف خلافاً لتحية بقية المساجد، وجعل الدعاء في الحرم المكي مستجاباً بإذن الله  تعالي  وتفضيل صلاة العيد في هذا الحرم الشريف .
(10) مضاعفة حسنات الحرم المكي إلى مائة ألف ضعف وإلى أضعاف أكثر بإذن الله، فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وكذلك أجر غير الصلاة من العبادات والأعمال الصالحات، وفي ذلك يقول المصطفى  صلي الله عليه وسلم  ” صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة “ .  (رواه  كل من الأئمة مسلم، وأحمد، وابن ماجة).
(11) أثبتت أحاديث رسول الله  صلي الله عليه وسلم أن أبانا آدم  عليه السلام  وهو أول الأنبياء أنزل في مكة المكرمة وان جميع الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم أجمعين قد حجوا البيت حتى يؤكد لنا ربنا تبارك وتعالي  وحدة النبوة ووحدة الرسالة السماوية. وذكر كثير من الرواة أن نبى الله إسماعيل  عليه السلام  وأمه  رضي الله عنها  مدفونان بحجر إسماعيل المعروف باسمالحطيم”.
وروى كذلك أن عددا من أنبياء الله مدفونون في صحن الكعبة، وفي ذلك يروى عن المصطفى  صلي الله عليه وسلم  أقواله الشريفة التالية: ” ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبورتسعة وتسعين نبياً جاءوا حجاجاً فقبروا هنالك “ (ذكره القرطبي في تفسيره)
” كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق بمكة، فيعبد الله  تعالي  ومن معه حتى يموت ، فمات فيها نوح، وهود، وصالح، وشعيب وقبورهم بين زمزم والحجر” . (رواه الفاكهي في أخبار مكة)
” حج خمسة وسبعون نبيا كلهم قد طاف بهذا البيت وصلي في مسجد مني “ (رواه الفاكهي في أخبار مكة).
” في مسجد الخيف قبر سبعين نبيا “ (رواه الهيثمي)
(12) كذلك أثبتت أحاديث رسول الله  صلي الله عليه وسلم  قداسة ما في الحرم المكي من أشياء ومن ذلك أقواله الشريفة : ” الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة “ .(أخرجه كل من اللأئمة الترمذي، وأحمد ، والحاكم ، وابن حبان) وفي رواية للبيهقي أضاف قوله  صلي الله عليه وسلم  : ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلاشفي” .
” نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم “. (رواه كل من الإمامين أحمد في مسنده والترمذي  في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما).

ثانيا: تذكير الحاج بمرحلية الحياة ، وبحتمية الرجوع إلى الله تعالى :
على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله   تعالي  على جميع خلقه والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة وعلي الرغم من إيماننا  نحن معشر المسلمين  بحتمية البعث والحساب والجزاء ثم الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أوفي النار أبدا وهي من الأصول الإسلامية التي أكد عليها القرآن الكريم وروتها أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين  صلي الله عليه وسلم إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين وفي ذلك يقول ربنا  تبارك وتعالي: ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ” (آل عمران : 185) .
”  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “ (الأنبياء:35) .
” الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ ” (الملك :2) .
وعلى الرغم من ان الموت ليس انتهاء إلى  العدم المحض والفناء التام كما يتخيل الكفار والمشركين لأنه مجرد انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها إياه, والانتقال من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ,إلا أن الروح لا تبلي بل تصعد إلى بارئها,ويبلي الجسد ويتحلل وتبقي منه فضله يعاد بعثه منها وهي “عجب الذنب” كما سماها رسول الله  صلي الله عليه وسلم  إلا أن الموت يبقي مصيبة كما سماه القرآن الكريم ,ويبقي الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه,وإعراضهم عن ذكره, وقلة تفكرهم فيه ,وانصرافهم عن العمل له, وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت .

وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة  ولو لفترة قصيرة وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله تعالي على النحو التالي:

(أ) هناك أعمال إجرائية عديدة قبل القيام برحلة الحج منها ما يلي:
التوبة إلى الله تعالي من الذنوب والمعاصي وفي ذلك يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم : ” يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة ” (صحيح مسلم)
وصل كل مقطوع من صلات الرحم ويقول صلوات الله وسلامة عليه ” الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله “ (الإمام الترمذي) .
قضاء الديون ورد المظالم وغير ذلك من حقوق العباد وفي ذلك يقول المصطفي  صلي الله عليه وسلم : ” من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شي فليتحلل منه اليوم , من قبل ألا يكون دينار ولا درهم ,إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ,وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه “ (البخاري) .
أن تكون النية بالحج خالصة لله   تعالي  في صدق وإخلاص تامين ومتجردة عن كل هوي وسمعة وفي ذلك يقول خاتم الأنبياء والمرسلين  صلوات الله وسلامة عليه: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه “. (كل من الإمامين البخاري ومسلم) .
وقال : ” أخلص دينك يكفك العمل القليل “ .(الإمام الحاكم) .

الحرص على أن تكون نفقات الحج من أحل حلال المال .
الحرص على تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج .
كتابة الوصية وتوضيح كافة الحقوق فيها .
وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للنفس تهيئة كاملة لعملية مفارقة الحياة الدنيا والرجوع إلى الله  تعالي  والاستعداد لحساب القبر وجزائه, ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر وتلقي الحساب والجزاء ثم الخلود في الحياة الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار .

( ب)وهناك أعمال تنفيذية أثناء الحج منها ما يلي:
غسل الإحرام يذكر الحاج بغسله ميتا وهولا يملك لنفسه شيئا بين أيدي مغسله , وهو رمز للتطهر من الذنوب والآثام .
(1) والإحرام يذكر الحاج بالخروج من الدنيا بلا ادني زينة أو ملك كما يذكره بالكفن الذي سوف يلف فيه بعد تغسيله والنية عهد بين العبد وربه .
(2) الوقوف عند الميقات يذكر الحاج بأجله الذي حدده الله  تعالي له والذي يقول فيه: ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلاً “ (آل عمران:145) .
والانتقال من الحل إلى الحرم عبر الميقات يذكر بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة عبر الموت  , والتلبية نداء إلى الله واستنجاد برحمته واحتماء بحماه .
(3) والطواف حول الكعبة المشرفة يذكر بضرورة الانتظام مع حركة الكون في خضوعه لأوامر الله تعالي وانصياعه لقوانين هذا الخالق العظيم وسننه في عبادة وذكر دائمين , كما أن بداية الطواف ونهايته يؤكدان على بداية الاجل ونهايته , وهي حقيقة يغفل عنها كثير من الناس حتى يفاجئهم الموت وهم أصفار اليدين من الحسنات فخسروا الدنيا والآخرة . والرمل والإطباع في طواف القدوم إحياء لسنة خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم .
(4) والصلاة في مقام إبراهيم يذكر بجهاد الأنبياء والمرسلين وبمقام الصالحين عند رب العالمين .
(5) والشرب من ماء زمزم يؤكد على قدرة رب العالمين التي لا حدود لها ولا عائق يقف في سبيلها من أجل إكرام عباده الصالحين .
(6) والسعي بين الصفا والمروه يذكر بأم إسماعيل عليه السلام وهي تركض بين هذين الجبلين بحثا عن الماء لصغيرها ونتيجة لإخلاصها ولثقتها في ربها أكرمها الله تعالي  بجبريل يضرب بجناحه أو بعقبه فيفجر ماء زمزم .
(7) والنفرة إلى عرفات تذكر بيوم البعث في زحامه وشدته .
(8) والوقوف بعرفات تذكر بالحشر وبالعرض الأكبر بين يدي الله  تعالي  وبالحساب .
(9)والمبيت بالمزدلفة يذكر بآلاف الأنبياء ومئات المرسلين الذين حجوا من قبل والذين مروا ونزلوا بهذا المنزل  تأكيدا على وحدة الدين وعلي الأخوة بين أنبياء رب العالمين وإحياء لسنة خاتمهم أجمعين  صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم .
(10) والنحر والحلق أو التقصير يذكران بفداء الله لنبيه إسماعيل إكراما لطاعته وطاعة أبيه إبراهيم  عليهما السلام  لأوامر رب العالمين وإحياء لسننها ورمز للتطهر من الذنوب والآثام .
(11) ورمي الجمار تأكيد على حقيقة الصراع بين الشيطان والإنسان وعلى حتمية انتصار العبد المؤمن على الشيطان في هذا الصراع والرجم رمز لذلك الانتصار وعهد مع الله  تعالي  على تحقيقه .
(12) والتحلل من الإحرام وطواف كل من الإفاضة والوداع رمز لانتهاء هذه الشعيرة العظمي وعودة إلى دوامة الحياة من جديد بذنب مغفور وعمل صالح مقبول وتجارة مع الله  تعالي  لن تبور ومن هنا كان واجب الحاج ان يبدأ مع ربه صفحة جديدة إطارها الفهم الصحيح لرسالة الإنسان في هذه الحياة : عبدا لله يعبده  سبحانه وتعالي بما أمر ويجاهد بصدق من أجل حسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة دين الله وعدله على سطحها ,والدعوة إلى هذا الدين بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوي من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس من عذاب نار جهنم .
(13) وجموع الحجاج من كل عرق ولون وجنس ولغة يتحركون في موكب واحد لأداء هذه الفريضة الكبري تأكيدا على وحدة الجنس البشري المنبثق من أب واحد وأم واحدة هما آدم وحواء  عليهما من الله السلام  وتأكيدا على وحدة رسالة السماء  وهي الإسلام العظيم   وعلى الأخوة بين الأنبياء وعلى وحدانية رب السماوات والأرض  بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولد ، وذلك لأن هذه كلها من صفات المخلوقين والخالق منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله .

(ج) وهناك أعمال إلزامية بعد أداء فريضة الحج منها ما يلي:

(1) الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة, وذلك لأن الدنيا مهما طال عمر الإنسان فيها فإن نهايتها الموت ، والآخرة خلود بلا موت وهذه الحقيقة هي من أهم الدروس المستقاة من أداء شعيرة الحج وليس معني ذلك إهمال مسئوليات الإنسان في الدنيا لأن الإنسان مطالب بالنجاح فيها ولكن ليس على حساب الآخرة .
(2) اليقين بأن الحج تطهرمن الذنوب والآثام انطلاقا من قول رسول الله صلي الله عليه وسلم من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ” رواه كل من الإمامين( البخاري ومسلم) .
ولقوله صلي الله عليه وسلم  لعمرو بن العاص  رضي الله عنه  حين قدم لمبايعته : ” أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله ؟ “ (رواه الإمام مسلم) . وانطلاقا من هذا اليقين كان واجبا على كل من أدي فريضة الحج الحرص الشديد علي عدم الوقوع في معاصي الله .
(3) الحرص على أداء العبادات المفروضة  في وقتها وعلي الإتيان من النوافل قدر الاستطاعة .
(4) التمسك بطهارة النفس واستقامة السلوك وعفة اللسان وغض البصر والتحكم في الشهوات والرغائب والأهواء وكظم الغيظ و العفو  عن الناس، وصدق الحديث، ورقة التعامل مع الآخرين، والتواضع للخلق، وحسن الاستماع والاتباع، والاحتشام في الزى والهيئة، وإخلاص السرائر، واجتناب سوء الظن بالآخرين في الأحكام عليهم، والتوسط والاعتدال في كل أمر، والثبات على الحق والمجاهدة من أجل نصرته وتحمل تكاليف ذلك، والحرص على العمل الصالح والتنافس فيه حتى يكون في سلوك الحاج قدوة حسنة لغيره .
(5) الحرص على التزود من العلوم الشرعية، والتفقه في الدين، والالتزام بما يتعلمه، وذلك لأن الإسلام دين لا يبنى على جهالة، وإنما يبنى على علم والتزام ومصادر الإسلام هي كتاب الله وسنة رسوله، وعلى كل مسلم أن يجتهد في التعرف على أوامر الله  تعالي  ويلزم نفسه وأهله بها، وفي التعرف على نواهيه فيجتنبها ويحاربها، فإن انغلق عليه أمر من الأمور فعليه بسؤال أهل الذكر كما قال ربنا  تبارك وتعالي:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ “ (النحل  43، الأنبياء 7) .
(6) الحرص على الكسب الحلال، وعلى طيب المطعم والمشرب، وعلى البعد كل البعد عن الشبهات والمحرمات .
(7) المواظبة على الصحبة الطيبة، وعلى التزام جماعة المسلمين، وعلى الولاء لهم، والبراء من غيرهم. وفي ذلك يقول  ربنا  تبارك وتعالي مخاطباً خاتم أنبيائه ورسله  صلي الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ً” (الكهف 28) .
ويقول  عز من قائل:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ .وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ “( آل عمران102: 103) .
(8) الاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى من مثل قضايا الأراضى المحتلة كأراضى كل من فلسطين، والعراق، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، وأراكان، وجنوب الفلبين، وقضايا الأمية بشقيها أمية القراءة والكتابة وأمية العقيدة  وقضايا الحريات وقضايا التخلف العلمي والتقنى، والتردى الاقتصادي والإعلامي وتفشى كل من الفقر و المرض , والمحرمات ومخططات التنصير، وقضايا الأقليات الإسلامية المضطهدة في كل من الهند والصين، وتايلاند، وروسيا والدول الغربية على اختلاف مسمياتها، وأستراليا ونيوزيلندا وغيرها .
(9) المساهمة الفعالة في الدعوة إلى دين الله بكل وسيلة متاحة في حدود القدرات الشخصية وذلك بالمال والجهد والحوار وتوظيف كافة وسائل الإعلام المتاحة، بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة والمنطق السوى. لأن إسلام الناس نجاة لنا ولهم، وفوز في الدنيا والآخرة وتحييد لنزغات الشياطين التي تحرص باستمرار على معركة فاصلة بين المسلمين وغيرهم من أمثال معركة أرما جدون (هرمجدون) المفتراه والتي يخطط لها غلاة الصهاينة وغلاة المنصرين منذ وقت غير بعيد .
(10) العمل على جمع كلمة المسلمين في وحدة كاملة ولو على مراحل متتالية كما حدث في الوحدة الأوروبية .

ثالثاُ: الاستفادة بهذا المؤتمر الدولي الأول في تاريخ البشرية لمناقشة قضايا المسلمين بخاصة وقضايا الإنسانية بصفة عامة:

فالحج هو أول صورة  عرفتها البشرية من صور المؤتمرات الدولية فهو مؤتمر جامع للمسلمين من مختلف بقاع الأرض، يجدون فيه توحدهم في عبادة إله واحد، لا شريك له في ملكه، ولا منازع له في سلطانه، ولا شبيه له من خلقه، ولا حاجة به إلى الصاحبة أو الولد، أو إلى أى من صفات خلقه التي تنزه عنها جميعاً . ويتوحدون تحت راية الإسلام، وهو الدين الوحيد الذى يرتضيه ربنا  تبارك وتعالي  من عباده، ولذلك علمه  لأبينا أدم  عليه السلام  لحظة خلقه، وأنزله على سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله، بلغت المائة والعشرين ألف نبي، اصطفى منهم ربنا  جلت قدرته  ثلاثمائة وبضعة عشر رسولا كان إمامهم وخاتمهم أجمعين سيد الأولين والآخرين من خلق الله أجمعين سيدنا محمد بن عبد الله  صلوات الله وسلامه عليه . ويتوحدون إلى قبلة واحدة هي تلك البقعة المباركة التي بنيت الكعبة عليها،  ويتوحدون تحت راية القرآن الكريم وهو الكتاب السماوى الوحيد الموجود بين أيدى الناس اليوم بنفس لغة الوحي التي أوحى بها  اللغة العربية محفوظاً بحفظ الله  تعالي  كلمة كلمة وحرفاً حرفاً  تنفيذاً للوعيد الإلهي الذى قطعه ربنا تبارك وتعالي  على ذاته العلية، ولم يقطعه لرسالة سابقة أبداً فقال  عز من قائل : إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ “ (الحجر 9) .
في وقت تعرضت كل الرسالات السماوية السابقة للضياع، وما بقى منها من ذكريات نقلت شفاها لمئات من السنين من الآباء للأبناء ومن الأجداد للأحفاد وحين دونت تم تدوينها في لغات غير لغة الوحي وتم ذلك بأقلام لمجهولين ، ليسوا بأنبياء ولا مرسلين، وليسوا من الخطأ في أمر الدين بمعصومين فامتلأت بالآراء الشخصية والتصورات البدائية التي كانت سائدة في أزمان تدوينها، ولذلك ظلت تتعرض للتحريف بعد التحريف، وبالإضافات والحذف والتزوير، حتى تم إخراجها من إطارها الرباني وجعلها عاجزة كل العجز عن هداية أصحابها . ويتوحدون تحت لواء خاتم الأنبياء والمرسلين  صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين  وفي نور هدية وسنته . فتتلاشى في نور الإسلام العظيم كل فوارق العرق، واللون، واللغة، والوطن، ويتجسد معنى الأخوة الإسلامية في الله ولله، وهو من أعظم عناصر القوة في زمن التكتلات الذي نعيشه والذي يؤكد علماء الاجتماع بأنه لم يعد هناك مجال لتجمع بشرى أقل من ثلاثمائة الى أربعمائة مليون نسمة تكون له بصمة على مجريات الأحداث في عالم اليوم . فما أحرى حكام الدول الإسلامية ومستشاريهم وعلمائهم وأصحاب القرار فيهم ان يحرصوا جميعاً على المشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الدولي مشاركة فعالة يناقشون فيها مشاكلهم ومشاكل دولهم، ويتدارسون وسائل التعاون المشترك في مختلف أنشطة حياتهم تمهيداً لتحقيق الوحدة الكاملة بينهم ولو على مراحل متدرجة مدروسة متخذين من تجربة الوحدة الأوروبية نموذجاً تطبيقاً لعملية التوحيد مع فارق الدوافع المتوحد هنا وهنالك . وما أحرى علماء الأمة الإسلامية ومفكريها وقادة الرأي من بين أبنائها وإعلامييها ان يحرصوا على المشاركة في اجتماعات الحج، قبل أو بعد أداء المناسك، أو في أيام التشريق لمناقشة أهم القضايا الشرعية والعلمية والإعلامية المختلفة التي تهم الأمة الإسلامية . وما أحرى رجال الأعمال المسلمين أن يستغلوا فرصة الحج لمزيد من التعارف والتعاون والتكامل فيما بينهم. حتى تتوحد الأمة وتترابط في جسد واحد كما كانت، وبين أبنائها من عوامل التوحيد سمالا يتوفر لغيرهم من أبناء الأمم الأخرى التي توحدت على حطام الدينا الفانية . ويبقى الحج بعد ذلك أعظم المؤتمرات الدولية للتعارف بين المسلمين وتبادل الآراء والخبرات والتشاور، والتنسيق، والتخطيط في مواجهة كل أمورهم ومشاكلهم وتحدياتهم ومختلف قضاياهم وذلك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي، والإداري، والإعلامي، والسياسي بينهم حتى ينتهى ذلك بوحدة كاملة على أسس راسخة مدروسة. وكون ذلك يتم في جو من الروحانية العالية، والعبادة الخالصة والقرب من الله  تعالى والذكر الدائم لجلاله في أشرف بقاع الأرض وأشرف أيام السنة يجعل من دواعي نجاح ذلك المؤتمر السنوي ما لا يمكن توفره لمؤتمر سواه، ولذلك قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ . وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ . ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ “ (الحج: 26: 30) . والمنافع التي يشهدها حجاج بيت الله الحرام كثيرة جداً لو أحسن المسلمون الاستفادة بهذه العبادة المباركة التي تتم في أبرك بقاع الأرض عند أول بيت وضع للناس وفي أفضل أيام السنة على الإطلاق في العشر الأوائل من ذي الحجة. ويخالط هذه العبادة الجليلة شيء من التعارف، والتواصل، والتعاون، والتنسيق والتكامل على مستوى الأفراد والمؤسسات والحكومات، وعلى ذلك فالحج فريضة تلتقى فيها الدنيا والآخرة، كما يلتقى فيها أول النبوة بخاتمها، وتلتقي فيها مسيرة البشرية كلها عبر التاريخ . فأصحاب الدعوة الى الله، وزعماء الإصلاح في العالم الإسلامي يجدون في موسم الحج فرصة ذهبية لعرض أفكارهم على الناس، وأصحاب كل من الزراعة والصناعة والتجارة يجدونها فرصة كذلك لعقد الصفقات أو لترويج ما معهم من منتجات تحمل الى هذا المكان الطيب الطاهر من مختلف بقاع الأرض فتحوله الى سوق عالمي سنوي في ظل القيام بأداء شعائر الله، والعمل على ترسيخ دينه في الأرض .

القيم السلوكية اللازمة لتحقيق الأهداف المطلوبة من أداء فريضة الحج:

(1) ضرورة استشعار جلال كل من المكان والزمان وما يستوجبانه من سكينة وخشوع يجب على كل حاج استشعار جلال الحرم المكي خاصة في الأوقات المباركة مثل الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة فيلتزم بما يستوجبه جلال المكان والزمان من سكينة وخشوع. ويكفي في ذلك الشعور بأن الواقف في الحرم المكي يقف فوق أقدم بقاع اليابسة، وأمام أول بيت وضع للناس في الأرض، والبيت الذي وضعته الملائكة لأبينا آدم  عليه السلام. قبل هبوطه عنده، والبيت الذي أمه أنبياء الله ورسله أجمعين وبلايين الأفراد من الصالحين عبر التاريخ. والبيت الذي ينسب الى الله  تعالى  من قبيل التشريف والتكريم وهذا البيت يقع في مركز الأرض الأولي ومن دونه ست أرضين , ومن حوله سبع سماوات وعلي ذلك فهو يقع بين السماوات السبع والأرضين السبع بحيال وسط السماء وتحت البيت المعمور “وهو بيت في السماء السابعة علي حيال الكعبة تماما حتي لو خر لخر فوقها , يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك فإذا خرج آخرهم لا يعودون أي أنه كعبة الملائكة .

(2) الإكثار من العبادة وذكر الله  تعالي  واستغفاره وطلب رضوانه ,وتلبيته والابتهال إليه والصلاة والسلام علي خاتم أنبيائه ورسله فى مكان يضاعف فيه أجر العبادة إلى مائه ألف ضعف ,وتوزع فيه الرحمات علي الطائفين حول الكعبة والمصلين في حرمها والناظرين إليها ويكفي في ذلك قول رسول الله  صلى الله وعليه وسلم . (مامن محرم يضحي في ذلك  أي يظل  يومه يلبي حتي تغيب الشمس , إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه “وقوله الشريف : ” ما أهلَّ مُهلُّ قط إلا بُشرِّ ولا كبًّر مُكبر قط إلا بُشِّر”.قيل : يانبي الله بالجنه ؟ قال : “نعم ” (رواه الطبرنى ) . وقوله  صلى الله عليه وسلم : ” مامن مسلم يلبى إلا لبًّى من عن يمينه وشماله  من حجر أو شجر ,أو مدر  أي حصي  حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا “ (رواه كل من الأئمة ابن ماجد والبيقهى , والتزمدي ,والحاكم ) .

(3) الصبر علي مايلقاه الحاج من المكاره والشدائد انطلاقا من اليقين  لأن الحج جهاد والصبر مطلوب لتحمل تبعات ذلك الجهاد, وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى :” وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ “ (آل عمران:186) . ويقول المصطفى  صلى الله عليه وسلم  : ” جهاد الكبير، والضعيف، والمرأة، الحج “ (رواه الإمام النسائي ) .  ويصف  صلي الله عليه وسلم  الصبر بأنه ضياء (مسلم) وقد يتعرض الحاج أثناء أداء هذا النسك العظيم  لعدد من الصعوبات , وليس أمامه إلا أن يستقبلها بالتسليم بالأمر الواقع فالحج امتحان لا بد للقائم به من الحرص علي النحاج فيه وذلك بعدم الوقوع في معصية من المعاصي ولوبكلمة قاسية لرفيق في زحام الحجيج أما الصبر علي الطاعة فأساسه أن أداء الطاعات يستوجب شيئا من المعاناة والتحمل حتي يستوفي الأجر كاملا إن شاء الله  تعالى  ,وفي ذلك يقول المصطفي  صلي الله عليه وسلم : “حفت الجنة بالمكاره , وحفت النار بالشهوات “(مسلم) .

(4) الإجتهاد في تطبيق معنى الأخوة الإسلامية  التي جمعت الحجيج علي هذه الشعيرة العظيمة في أقدس بقاع الأرض وفي أشرف أيام السنة ,وإذا كانت الأخوة الإسلامية واجبة علي الإطلاق , فإن وجوبها أثناء أداء فريضة الحج أوجب , فأصحاب الإسلام وحملة رسالته يجب أن يستشعروا جلال العقيدة التي شرح الله  تعالى  بها صدورهم ,وجمع عليها أمرهم ووصفها نبيهم بقوله الشريف : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى “( البخاري ومسلم ) .  وقوله  صلوات الله وسلامه عليه: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” (البخاري) . وقوله: ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته , ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة , ومن ستر مسلما ستره الله يوم من القيامة “ ( البخاري ومسلم ) .  والذي ينجح في تحقيق معني الأخوة الأسلامية خاصة في زمن الحج وزحامه فقد تقرب إلى الله  تعالى  بأزكى الطاعات وأجزلها مثوبة منه ولذلك يروي ابن عباس (رضي الله عنهما ) عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قوله : “من مشي في حاجة أخيه , وبلغ فيها كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين , ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد مما بين الخافقين “ .وفي رواية كل خندق أبعد مما بين الخافقين “ (البيهقي ) .

(5) التواضع ولين الجانب مع حجاج بيت الله وفي زحام الناس من حوله إنطلاقا من قول رسول الله وعليه وسلم : إن الله  أوحى إلي أن تواضعوا حتي لا يبغي أحد علي أحد , ولا يفخر أحد علي أحد ” (أبو داود) .    ومن قوله  صلى الله عليه وسلم  محذرا من التكبر علي العباد : ” يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان “ (الترمذي) . وقال رسول الله  صلي الله عليه وسلم   : ” من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أكبه الله لوجهة في النار” (الإمام أحمد) . ، وقال  صلى الله عليه وسلم  طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه من غير مسألة وأنفق مالاً جمعه في غير معصية ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة “ (الطبراني) .

(6) التراحم بين الحجاج : وذلك بعداً عن التزاحم أو التدافع أو الاستئثار بأماكن أو مواقع محددة وذلك لأن الرحمة من صفات المؤمنين وهي صورة من صور الكمال البشري , تجعل القلب يرق لآلام الخلق ويسعي لإسعافهم وللأخذ بأيديهم بعاطفة وحب ورحمة وقد حذر رسول الله  صلى الله وعليه وسلم  من قسوة القلب فقال : “إن أبعد الناس من الله  تعالى  القاسي القلب “، وقال  صلوات الله وسلامة عليه : ” لن تؤمنوا حتي تراحموا ” قالوا :  يارسول الله كلنا رحيم , قال : ” إنه ليس برحمة أحدكم صاحبة ولكنها رحمة العامة “ (الطبرانى ) . , وقال:  “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله “ (البخاري ) .

(7) الجود والكرم والبذل في سبيل الله  تعالى  يوصي رسول الله  صلى الله وعليه وسلم  المسلمين بإسخاء النفقة في الحج وذلك بقوله الشريف :” النفقة في الحج كالنفقة في  سبيل الله : الدرهم بسبعمائة ضعف ” (رواه من الأئمة كل من أحمد والبيهقي والطبراني وابن أبى شبية) .  وقال  عليه الصلاة والسلام : ” يا ابن أدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه  شرلك ولا تلام علي الكفاف , وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلي  “ (مسلم) . وفي ذلك يقول ربنا  تبارك وتعالى  : الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِراًّ وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ “ (البقرة :274) . وقال  عز من قائل : ” هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ “ (محمد:38)  .

(8) الحلم والعفو والصفح وترك المراء: إن تجمع قرابه المليونين من الحجاج في مكان واحد قد يؤدي إلى شيء من التزاحم أو التدافع أو توقف السير أو حوادث السيارات وتصادماتها  وهنا تبرز قيمة التمسك بالحلم والعفو والصفح ويندبنا ربنا  تبارك وتعالى  إلى العفو ندبا فيقول  : ” وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “ (البقرة: 237) . والعفو قدر زائد علي العدل لأن فيه تجاوز صاحب الحق عن حقه وهو ضرب من السماحة تلك الصفة النبيلة التي لا يتصف بها إلا المؤمنين الذين طهرت نفوسهم وسمت أرواحهم فترفعوا عن الدنايا إلى الحد الذي يتنازلون به عن حقوقهم طواعيةً واختياراً طلبا لمرضاة الله  تعالى  الذي يصف ذاته العليه ب (العفو) ووصف رسوله الكريم بهذه الصفة النبيلة ,كما وصف بها المقربين من عباده الصالحين   وفي ذلك يقول المصطفي  صلي الله عليه وسلم : ” ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء “ (الإمام الترمذي ) .  ويقول ” إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق “ (الإمام البزار) . وكلما تمكن الإيمان من قلب المؤمن نمت معه السماحة وازدادت القدرات علي الحلم وضبط النفس ولذلك قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : “من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة علي رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء “ (أبو داود ) .  وقال  صلوات الله وسلامه عليه  في جمع من الصحابة : ” ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات ؟ قالوا : نعم يارسول الله . قال : ” تحلم علي من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك “(الطبرانى) . وقال: ” من ترك المراء وهو مبطل بنى له بيت في ربض الجنة ومن تركها وهو محق بنى له في وسطها ومن حسن خلقه بنى له في أعلاها “ ( الأمام أبو داود) . وقال  تعالي  : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ “ ( آل عمران 134,133) . وقال  عز من قائل : ” خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ “ (الأعراف

199 ) .
(9) الإلتزام بأدب الحديث مع الآخرين بلا لغو ضائع ولا هذر مسيئ وإلا فالصمت أولى وفي ذلك يقول ربنا  تبارك وتعالي : ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ “ (البقرة 197) . ويقول المصطفى  صلى الله عليه وسلم  : ” لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه “ (الإمام أحمد ) . وقال لأبى ذر (رضي  الله عنه ) ” عليك بطول الصمت فإنه مطرده للشيطان وعون لك على أمر دنيك “ (الإمام أحمد ) . وقال  عليه الصلاة السلام  : ” من حسن إيمان المرء تركه ما لا يعنيه “ (الإمام الترمذي) . وكان رسول الله  صلي الله عليه وسلم  كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة ويعرض عمن تكلم بغير جميل .

(10) الرفق بالعباد والمبادرة إلى مساعدة الضعيف منهم , وفي ذلك يقول المصطفي
صلي الله عليه وسلم  مايلي: ” إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه “, وفي رواية أقوي: ” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيئ إلا شانه “ (الإمام مسلم ) .  وقال  صلوات صلي عليه وسلم : ” إن الله  عزوجل  ليعطي علي الرفق مالا يعطي علي الخرق  أي الحمق وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير كله “ (الإمام الطبراني ) .  والحياة في الإسلام تقوم علي التراحم , والتعاون, والأخذ بيد الضعيف , وفي ظروف أداء مناسك الحج ألزم وأوجب

.
­(11) الإلتزام بالأوقات وبحقوق المرافقين وضوابط الجماعة وقوانين الدولة المضيفة ونظمها التي وضعتها  لحسن أداء عبادة الحج . فالمسلم الحق يحافظ علي الوقت لأن الوقت هو الحياة ويحافظ علي المواعيد التي تضعها لجنة النظام في المجموعة حتي لا يضيع أو يتوه في زحام الحجيج ويحافظ علي حقوق المرافقين له بالالتزام بمواعيد المنام واليقظة وتناول الطعام وأداء العبادات والإلتزام  بالهدوء والانضباط اللازمين لحركة الجماعة .كذلك لا بد من التقيد بقوانين الدولة المضيفة والنظم التي وضعتها لتحرك الحجيج في مختلف مراحل أداء الشعيرة فلا يجوز التحايل علي استخراج تأشيرات الدخول أو البقاء بعد انتهاء النسك ولا التحرك إلى مناطق غير مناطق الشعائر ولا استجلاب أي من الممنوعات أو محاولة الخروج علي النظام بأي شكل من الأشكال لأن هذه كلها من المخالفات التي قد تفسد إتمام شعيرة الحج علي الوجه الذي يرتضية الله تعالى .
هذه بعض الملاحظات علي الآداب اللازمة لأداء الحج المبرور:
أي الذي لا يخالطه إثم والذي ليس له ثواب إلا الجنة وتوضيح لبعض السلوكيات والتصرفات الواجبة علي الحاج أثناء أداء الشعيرة أسال الله  تعالى  أن يعين الجميع علي الالتزام بها تخفيفاً من شدة الزحام وتكدس الواجبات في زمن محدود حتي يعود الجميع إن شاء الله  تعالى  بحج مبرور وعمل صالح مقبول وتجارة مع الله   تعالى  لن تبور ليستقبل الحياة بعزم جديد وفهم رشيد لحقيقة رسالة الإنسان في هذه الحياة : عبدا لله سبحانه وتعالي  يعبده بما أمر ويجتهد في حسن القيام بواجبات الأستخلاف في الأرض بعمارتها وإقامة شرع الله وعدله فيها والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى