الأخت نور تحكي قصة إسلامها- 2
تغيرت تماما علاقتي بأخي بعد ذلك، بعد كل هذا الحب لم يبق إلا الكره والاستهزاء، نعم كان لا يؤذينى بدنيا بعد تحذير أبي الذي لولا إياه لكان قد قتلنى ، إلا أن نظراته لي كانت كلها نظرات احتقار، كل نظرة كانت تقتلنى، ما كان يكلمني أبدا، كان إذا جاء على الطعام ووجدنى جالسة لا يجلس أبدا، وإذا جئت أنا ووجدته جالس قام من فوره من الطعام، هكذا مرت هذه الأيام على هذا المنوال.
حتى جاء يوم قررت أن أذيب جبل الجليد هذا الذى بينى وبين أخي، فدخلت عليه غرفته واستأذنته فى الجلوس ثم اخترت مكانا فجلست ونظرت إليه، وهو كأنه يريد أن يقنع نفسه بأني لم أدخل أصلا، ثم قلت له: هل علمت فى يوم أني ارتكبت فاحشة أو كنت أمشى مع شباب ؟
هل سمعت عني يوما شيئا مشينا أصابك أنت كأخ لي قبل أن يصيبنى أنا؟
ألست أنا أقرب الناس إليك؟ ألم أكن أحب إليك من نفسك؟ هل نسيت؟
لماذا تعاملني هذه المعاملة؟ هل إسلامي أهدر كرامتك أو كرامتى؟ أجبنى؟
وكان لا ينظر إلي، وفجأة رفع عينيه وقال: أنتِ بالنسبة لي الآن فى عداد الأموات، فبكيت، وتركته وخرجت.
ولكن مع كل هذه المعاملة الجافة والعنيفة منه إلا أنه بدأ يهدأ مع مرور الوقت، وبدأ يتحدث إلي، ولكن ليس مثل الماضي، وبدأ يعرف أن إسلامي لم يكن ليضر أحدا فى كل هذه العائلة العريقة، خاصة أنهم أخفوا هذا الخبر عن كل الناس.
وفى هذه الفترة كنت مخطوبة لأحد الأطباء الأغنياء، له سيارته وعيادته ولكنه كان يقيم فى مدينة أخرى، كان علي أن أضع حدا فاصلا فى علاقتى به خاصة بعد أن أخبرتنى صاحبتى أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم وأن علاقتى بهذا الخطيب يجب أن تنتهى، وفعلا اتصلت به فى الهاتف، فرد علي معتذرا عن تأخره عني هذا الأسبوع لظروف عمله، ولكني قاطعته قائلة: أريدك فى موضوع هام لا يحتاج إلى تأجيل، قال لي: حسنا حبيبتى سأمر عليكِ فى المساء، وجاء المساء وجاء خطيبى معا كأنهم على موعد أن يطلا علي بوجهيهما معا، لا أعرف ما العلاقة بين خطيبي والليل! هل لأنى شعرت أن كليهما تكسو وجهه الظلمة ؟ على أية حال كنت على استعداد لهذا اللقاء، ارتديت ملابسي الإسلامية الجميلة لأني علمت أنه أجنبي عني، ورآني بهيئتي الجميلة، فلم يعلق، ثم بعدها جلست معه فى الصالون وقلت له بكل هدوء: يشهد الله أنى كنت أحبك، ولكن حبي للإسلام ملأ قلبي، أنا أسلمت، فهبّ واقفا وقال لى بنبرة حادة وبوجه ممتعض: هل جننتي؟ ماذا تقولين؟ ماذا فعلت؟ ثلاثة أسئلة فى سؤال واحد، فأجبت: أعتقد أنك سمعت، لقد أسلمت، وأنا لم أرسل فى طلبك حتى أقول لك إنى أسلمت، لأني اتخذت قراري بإرادتي ولن يثنينى أحد عن قراري، وإنما أرسلت لك لأقول لك: إنك بهذه الحالة لا تحلّ لي، فلك خياران، إما أن تعلن إسلامك وبعدها تكون زوجي وحبيبي وكل شئ لي فى الدنيا وإما كما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف دون شوشرة أو فضايح، انتهى كل ما عندى، ولك الخيار، فتركني دون أن يعلق بكلمة واحدة من هول الصدمة، وخرج مسرعا إلى بيته، ثم اتصل بي بعدها مرارا وتكرارا متوسلا مرة ومعنفا مرة وراجيا مرة وشاتما مرة أخرى، وكلامي معه لم يتغير وشرطيّا لم ولن أتنازل عنهما، حتى أننى اضطررت إلى تغيير رقم هاتفي، ولكنه جاء إلى البيت عندي يوما وقال لي: حسنا، أنا موافق على إسلامي على شرط أن نتزوج خلال شهر، لا أعرف لماذا لم أصدقه، لا أعرف كيف فتح الله عليّ بأن أرد عليه بعدها: لو أسلمت نتزوج بعد سنة
حتى يطمئن قلبي أنك فعلا أسلمت وحسن إسلامك، فرفض طبعا هذا الطلب، وصدق قلبي، فقد كان يتلاعب، وبدأ فى شتمي ولعني، وهمّ بالخروج، فقلت له: انتظر ومن فوري أعطيته كل هداياه لي، الرخيص فيها والنفيس، والحق يقال، ما أهداني رخيص أبدا، فكل هداياه كانت إما مجوهرات أو ذهب، ولكن كنوز الدنيا كلها لا تساوي عندي شيئا إذا وزنت فى كفة مع إسلامي لله.
طويت هذه الصفحة من حياتي وتركني بلا رجعة والحمد لله واعتقد أنه عنادا في وإرضاء لكرامته تزوج بعدها مباشرة بأخرى .
بدأت فى تعلم دينى أكثر وأكثر وما من أخت مسلمة تعلم أني أسلمت إلا وتهدينى كتابا دينيا عن الصلاة أو الصوم أو العبادات أو شريطا مسجلا فيه دروسا أو قران، حتى اكتظت المكتبة عندي بالعديد من الكتب الإسلامية والشرائط وجزاهن الله خيرا جميعا.
وشرعت فى الإطلاع والمعرفة أكثر وأكثر وكلما قرأت شيئا كلما ازداد حبي لهذا الدين العظيم وتغيرت علاقة أخي بي رويدا رويدا من الفتور ونظرات الاحتقار إلى الكلام معي والدخول إلى غرفتى كثيرا، وكان إذا دخل علي نظر إلى الكتب الكثيرة المتراصة عندي مستغربا عناوينها وبعادته المعروفة فى الفضول يتصفحها وينظر إلى داخلها بسرعة ثم يترك الكتاب ويمسك غيره وأنا كنت استغل هذه الفرصة وأحدثه عن الإسلام وعن الموت وعن الحساب والعقاب وأحدثه عن فضل الله للموحدين وعقوبته للمشركين، وكيف أنه واحد لا ثلاثة وهو كان يستمع لي وكأنه غير منتبه لي بسبب الكتاب الذى فى يديه وينظر إليه ولكنه أبصر المصحف بعينيه فأخذه بيده وقرأ فيه قليلا ثم تركه، فقلت له تحب تتصل بربنا ؟ فاستغرب السؤال بشدة وقال لى: ماذا ؟ قلتت: قلت لك تتصل بالله هاتفيا هل تحب ؟ فقال: لابد أنكِ جننتِ، فقلت: جرب ولن تخسر شيئا، تاخد رقمه تتصل به ؟ لم يتكلم ولم يعقب، ولكني سريعا قلت له: على العموم الرقم هو 24434، جرب ولن تخسر شيئا، وسوف ترى ربنا سيستجيب لك أم لا، لكن على فكرة هذا الرقم هو عدد الركعات فى الصلاة فى الإسلام، فنظر إلي ولم يعقب وخرج من الغرفة.
جارة لي كنت أحبها جدا قبل أن أكون مسلمة، وأحببتها أكثر بعد أن أسلمت
كانت زميلتى فى الجامعة وكانت مسلمة متدينة جدا ومن بيت متدين وأهل صلاح، والنقاب فى هذا المجتمع الذى أعيش فيه شيء نادر وغريب وملفت للأنظار، ولذلك كانت دائما تتعرض لمضايقات كثيرة حتى أن حرس الجامعة كان كثيرا ما يعترضها ويجبرها على خلع النقاب وإظهار وجهها حتى يتأكدوا من هويتها وهي ما تأثرت يوما أو فكرت فى خلع النقاب.
بعد إسلامى تقربت إليها وصاحبتها وكنا نذهب سويا إلى الجامعة إما عن طريق المواصلات أو أخوها يوصلنا بسيارته، وأخوها كان لا يقل عنها تدينا ولا أدبا، وفى يوم انتظرنا أخوها بسيارته خارج أسوار الجامعة وخرجنا سويا وركبت بجوار أخوها وركبت أنا فى الخلف وكأن الله قد قدر لهذا اليوم أن يكون ثانى أسعد يوم فى حياتى.
انطلقت السيارة بثلاثتنا من الجامعة متوجهة الى حيث بيتينا المتجاورين، وحين وصلنا أبصرنى أخى وتوقعت أن يكون له رد فعل سلبي تجاهي أو تجاه صاحبتي وأخوها، ولكنه على العكس تماما انفرجت أساريره وصافح أخو صديقتى شاكرا له حسن معروفه ورحب به أخو صديقتي بشده ودعاه لبيته حتى تتوطد العلاقة أكثر وفعلا توطدت العلاقة بينهما أكثر وأكثر، وذهب إلى بيتهم كثيرا وأصبح من الأصدقاء المقربين له على الرغم من كون أخي مسيحيا وأخو صديقتي مسلما ولكن سبحان مؤلف القلوب.
ظهرت مره أخرى شخصية خطيبي فى حياتى بعد أن كنت قد طويت هذه الصفحة من حياتى وبعد ما كنت توقعت أنه تزوج وخرج من حياتى نهائيا إلا أنه فجأة ظهر ثانية وظهر فى صورة أبشع، كنت فى يوم خارجة من الجامعة أنا وصديقتي وينتظرني هو خلف أسوار الجامعة بسيارته وحينما رآني جاء مسرعا مخاطبا: أريد أن أتكلم معك فى موضوع هام على انفراد، فقلت: ليس لي معك كلام، قال: إسمعي مني ولكى الحكم بعدها، قلت: قلت لك ليس لي معك كلام، وتركته ومشيت، فشدني من يدي وقال لي بصوت عال لفت انتباه المارة: هل أنتِ راضية بشكلك هذا ؟ ماذا ترتدي على رأسك مثل المتسولين ؟ هل نظرت إلى نفسك فى المرآة ؟ تعجبت من موقفه جدا خاصة أننا فى طريق عام وقام بفعل ما توقعته، قام بنزع الحجاب عن رأسي وقذف به الأرض، فلم أشعر بنفسي إلا ويدي تطير فى السماء وتنزل على وجهه في لطمة أسمعت الناس أكثر من الصوت، فما كان منه هو أيضا إلا أن ضربني على رأسي ضربة بيديه فسقطت على الأرض مغشيا علي ورأسي جريحة تنزف من الارتطام على الأرض، فجاءت الإسعاف ونقلتنى إلى المستشفى وجاءت الشرطة وقبضت عليه، واستغل نفوذه وأمواله وخرج، فى نفس الوقت قمت من غيبوبتى لأجد أمامى أمي وهى تبكي وأبي وهو مذهول وأخى وهو فى قمة الغضب، وخرج أخى من فوره وعرفت بعد ذلك أنه ذهب للشخص الذي أصبح صديقه المقرب أخو صديقتى ليبحثا معا كيفية التصرف مع هذا الشخص ورد كرامتى، واتفق كلاهما ومعهما صديق ثالث على أن يعرفوا هذا الشخص مصيبته التى ارتكبها فى حقي ولكن بطريقتهم الخاصة، فتربصوا له ليلا كما تربص لي قبل ذلك وانهالوا عليه ضربا شديدا ووقع على الأرض غارقا فى دمائه كما حدث معي وكما تدين تدان والعين بالعين والسن بالسن والبادي اظلم، ولم يستطع إثبات أن أخي وصديقيه هم الجناة لعدم وجود أى إثبات أو دليل.
انتهى الموقف بسلام وتوطدت العلاقة أكثر وأكثر بين أخي وأخو صديقتي لدرجة أنهم نادرا ما يفترقا طيلة اليوم، والآن ستعرفون لماذا هذا اليوم يوم لقاء أخى بصديقه أول مرة هو ثاني أسعد أيام حياتي، فقد جاء إلى البيت فى المساء أخي حاملا فى يديه بذلة العرسان فسألته ما هذا؟ قال لي: اليوم يوم عرسي. قلت: ماذا قلت ؟؟ فقال: سأشرح لك فأنا فى عجلة من أمرى، ودخل إلى الحمام واغتسل وارتدى البذلة وخرج مسرعا، وعاد فى المساء وجهه كطلعة البدر يوم تمامه. تغير تماما وكأن بياضا شديدا دهن به وجهه وحكى لي وقال: ذهبت إلى صديقي وذهبت معه إلى بعض الأصدقاء وذهبنا جميعنا إلى المسجد، وأعلنت إسلامي وصليت معهم العشاء واحتفل بي كل من فى المسجد وجئت إلى هنا، هل هناك اعتراض؟؟
وانطلقت مني صرخات الفرحة الممزوجة بالدموع وحملني أخى وطاف بي كل أرجاء المنزل وأنا أهلل وأكبر وهو يكرر خلفي مثل هذا اللاعب الذى حمله زملاؤه فى الملعب حينما أحرز هدف الفوز قلت له: لابد لي من هدية، أنت فاهم، هدية ثمينة، قال: هدية فقط، هدايا كثيرة إن شاء الله.
ودخلت أمي على صوت صراخنا وعرفت هذا الخبر السعيد المحزن جدا لها، فانهمرت فى البكاء والعويل والنحيب مرددة (انتوا عايزين تموتونى، حرام عليكم … ماذا فعلت أنا حتى أجد منكم كل هذا الجحود والعصيان وممن؟ من أقرب الناس إلي، من أولادي! هدئنا من روعها قليلا واستكملنا فرحتنا معا فى هدوء حتى لا تسمعنا.
أما رد فعل العائلة الكبيرة فكانت محزنة، فأعمامي كلهم قاطعونا من بعد علمهم بإسلامي ومن بعدها إسلام أخى وعلاقتي ببنات أعمامى لم تنقطع ولكن فى الخفاء وعن طريق الهواتف فقط، أما أخوالي فرغم غضبهم الشديد لم يكن مثل غضب أعمامي ولم تصل لحالة الانقطاع الدائم بل كانوا يأتون إلينا فى الأعياد وأذهب أنا أحيانا إليهم وكان خالي إذا رآني بالحجاب قال لي: (إخلعي الشوال اللى أنتِ لابساه ده)
حدث لي اختبار من الله اختبار ما تمنيت أن أقع فيه ولكن الله وضعني فى هذا الموقف ليثبتنى على الدين، كان اليوم هو يوم الجمعة ويوم رأس السنة الميلادية وغدا امتحان لي فى الجامعة، كنت أحس حينما استيقظت من نومى مبكرا أننى فى حالة غير طبيعية لا أعرف ما هذا الحالة، حتى حان وقت الجمعة فتوضأت وصليت الظهر وقرأت قليلا فى كتاب الله، ولكني أحس بأن هذا اليوم هو يوم مصيري فى حياتى، لا أعرف ماذا سيحدث ولكني على يقين من أنه سيحدث لي شيء قد قدره الله لى، وحدث ما كنت أتيقن بحدوثه، وجدت نفسى فى منتصف النهار أرتدي ملابسي وأهم بالخروج من البيت ولا أعرف وجهتى حيث أراد الله وقادتنى أقدامي إلى مكان ما توقعت أبدا أن أدخله بعد إسلامي، إنه الكنيسة، نعم دخلت إلى الكنيسة، لا أعرف لماذا، ولكن حدث لي أغرب وأعجب موقف حدث لى فى حياتى كلها، ما كنت أعلم أن قدماي ستقودني إلى هذه الكنيسة العتيقة الأثرية التى قلما ذهبت لها قبل إسلامى، ومع أن ذهابي لها لم يكن كثيرا قبل إسلامى إلا أن راهب الكنيسة يعرفنى جيدا، وجاءت اللحظة الحاسمة، دخلت إلى الكنيسة بخطوات ثابتة واخترت لنفسي مقعدا فى منتصف الكنيسة، وجلست عليه ونظرت ببصري فى أرجاء الكنيسة، فأبصرت بعينى مجموعة من السياح الطليان يتضرعون أمام إحدى الصور، وهذه مجموعة من الراهبات تشعل الكثير من الشموع، وفى مقدمة القاعة جدران الكنيسة العتيقة المصممة أساسا ضد القنابل والصواريخ، تتزين جدرانها الداخلية بالزينات استعدادا للاحتفال برأس السنة وأصوت الأجراس تتصاعد رويدا رويدا وأصوت الترانيم يسمعها حتى من هو خارج الكنيسة، وسط كل هذا الخضم وأنا جالسة مكاني أشخص ببصري يمنة ويسرة، وفجأة علت أصوات الأجراس، وعلت نبرات الترانيم، وعلا صياح الحضور متجاوبين مع الترانيم، وحينها سمعت نداء الحق من هذا المسجد الصغير الذى يبعد كثيرا عن الكنيسة، ورغم كل هذه الأصوات التى يستحيل أن يخترقها صوت خارجي إلا أن صوت الحق ملأ أرجاء الكنيسة (الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر) فقمت من فوري واقفة وكل أعضائي ترتجف، ومرة أخرى قلت بأعلى صوتى: الله أكبر الله أكبر الله أكبر. وسمع صوتي كل من فى الكنيسة، توقفت أصوات الترانيم، وسكت المرنمون والهامسون، الكل سكت وكأن على رؤوسهم الطير، وتوجهت الأنظار إلي، فتوجهت ناحية الباب وأنا أجري وأجري مسرعة حتى وقفت فى الحديقة الخارجية للكنيسة، وكان الراهب الذى يعرفني قد جرى خلفي ولحق بي وقال لي بصوته الخافت دائما الخبيث أحيانا: هدئي من روعك يا ابنتي، فقلت له بنبرة عالية ممزوجة بدموع الحسرة: ( كله منكم ) أنتم من أفسدتم الشباب، الله ينتقم منكم، وهم بضربي ضربة خفيفة فى بطني فقلت له: أبعد يدك عني يا نجس، وجريت بأقصى سرعة إلى البيت، وحينما وصلت توجهت مباشرة إلى الحمام ومكثت اغتسل فترة طويلة وأنا أبكى، أحسست أن على جسدى قذارة رهيبة لابد أن أتخلص منها، فخرجت ومسكت المصحف وقرأت سورة الكهف وأنا أبكي وأدعو الله أن يغفر لى ما حدث، وحينما حكيت لأحد الشيوخ بعد ذلك عن ما حدث لي فى الكنيسة قلت له: أقسم بالله إن ذهابي إلى الكنيسة زادني إلى الله قربا وإلى الإسلام حبا.
وعاد أخي من توه من رحلة دعوية مع بعض أصدقائه المسلمين من فرنسا يدعو لهذا الدين الجديد الذى أحبه من كل قلبه، أما أنا عكفت على تعلم أصول دينى من خلال الكتب والدروس المسجلة، وفى البيت عندنا هناك جهاز أستريو مركزى فى كل غرفة من غرف المنزل الكبير سماعة فإذا قام أحدنا بتشغيل أي مادة سمعها كل شخص فى البيت مقيم فى أى غرفة، وطبعا من الممكن أن يفصل سماعته ولا يسمع إن أراد، وكنت أنا دائما أقوم بتشغيل قرآن وخاصة الطفل محمد البراك فكنت أحبه جدا والغامدى فكان صوته جميلا وقريبا جدا من قلبي وكأني أعرف صاحبه، كنت كلما قمت بتشغيل أحداهما سمعه كل من فى البيت، وكنت أرفع الصوت لأعلى درجاته حتى يسمعه كل من فى البيت، وإذا اعترضت أمي أقول لها: يا أمي إن القرآن يطرد الشياطين من البيت، فتضحك دون أن تعلق، فكرت أنا و أخى فى أمي كنت أحس أنها قريبة من الإسلام ولكن هناك شئ ما يمنعها، فكرنا أنا وهو أن يأتي بصديقه حتى يكلمها فهو أعلم منا وفى كلامه تأثير كبير على الناس، وفعلا جاء صديقه إلى بيتنا ورحبت به أمي وكانت على أتم استعداد أن تسمع عن الإسلام، ولكن حدث موقف قلب كل الأمور رأسا على عقب؛ رحبت به أمي ومدت يدها لتصافحه فما كان منه إلا أن وضع يده على صدره دون أن يسلم عليها وقال لها: مرحبا بك يا خالتى، فغضبت أمي أشد الغضب من هذا الموقف، وقالت: هل هذا هو إسلامكم؟ هل دينكم يعلمكم هذا؟ هل هذه المحبة فى الإسلام؟ وتركت المجلس باكية إلى غرفتها، هذا الموقف صراحة أغضبني بشدة ونهرت صديق أخي وقلت له: كنت صافحتها وخلاص، فهى من سن أمك، وبعدين مش مهم لو كنت أخذت سيئة ما دامت سوف تكون سببا فى إسلامها، وبكيت أنا الأخرى وتركتهم ودخلت غرفتى، وفشل للأسف مخططي أنا وأخي فى محاولة لدعوة أمي إلى الإسلام.
ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد مرض والدي الحبيب وتم نقله الى المستشفى، وفى المستشفى حدث ما حدث فلم يكن مرض والدي بالشيء اليسير علي، بل إني تأثرت لذلك أشد التأثير، خاصة أني كنت أحبه حبا شديدا وتعلقي به شديد جدا، لطيبته معي وأيضا لمعاملته لى باللين والحب على الرغم من إسلامى ودفاعه عنى فى كل كبيرة وصغيره أمام أى أحد، لا يمكن أن أنسى عطفه وحنانه وحبه لي فكم أحبه، مرض مرضا شديدا ونقل سريعا إلى المستشفى حتى أننا ظننا أنه مرض الموت، وكنت أخشى عليه أن يموت على النصرانية، وكنت أزوره يوميا بالساعات وكان بالكاد ينطق بصعوبة، واتفقت أنا وأخي على أن نتناوب المكوث معه ولا نتركه طول اليوم، هو بالليل وأنا بالنهار، نتناوب على رعايته، وأيضا استغلال الوقت لدعوته للإسلام لعل الله يشرح صدره كنت أقول له: يا أبي أنا بدونك لا أساوي شيئا، ولو حدث لك أى شئ أخشى على نفسى الضياع لولا يقينى بالله، قال لي: يكفيكِ الله، قلت له: أي إله يا أبي تقصد؟ فسكت، قلت له: يا أبي إني أحبك والله، وأخشى عليك، فقلت له قصة الرسول صلى الله عليه وسلم حينما عاد ابن يهوديا مريضا وأمره أن يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فنظر الطفل إلى أبيه، فقال له الأب: أطع أبا القاسم يا بني وفعل الطفل. وقلت له: يا أبي كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا مات يهودي أو نصراني أو مشرك على الشرك بكى الرسول وقال: أبكى على نفس هربت منى إلى النار، يا أبي لما لا تقولها؟ يا أبى أرحني وأسلم لله وحده، قال لي: أنتِ لا تعرفي رد فعل أعمامك، وما الذي سيحدث منهم نحونا، فقلت له: يا أبي، أنا لا أعرف إلا الله ورسول الله، كلما قال لي: تعرفي كذا، أقول لا أعرف إلا الله ورسوله، فيقول لي: تعرفي كذا، فأقول: لا أعرف إلا الله ورسوله، وكنت أتكلم بلسان بليغ وحجة قوية، فالكلام كان يأتي إلي وكنت أتكلم بكل حجة، وكان يتكلم بصعوبة وينطق بصعوبة، وفى خضم كلامي معه دمعت عيناه، فمسكت يده وقبلتها وأنا أبكي ونزلت على قدمه قبلتها وأنا أبكي بكاء شديدا، وقلت له، يا أبي أخشى عليك، والله أخشى عليك من النار، يا أبى قلها، يا أبي قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، كلمة تنجيك من النار، قلها من قلبك يا أبي، يا أبي خسارة هذه اليد أن تدخل النار، فولى وجهه عندي ودموعه لم تتوقف، جاء فى هذه اللحظة أحد أعمامى من غلاظ القلوب، فتركت مكاني وخرجت، وكان أخي قد جاء، فذهبت إلى البيت وأنا حزينة جدا، وفى المساء اتصل بي أخي هاتفيا وقال لي: ( تعالي إلحقي تعالي بسرعة ) فسقطت السماعة من يدي ولم ادر بنفسي إلا وأنا فى المستشفى وكان أخي على يمينه وأنا على يساره، فقال لي أخي أبانا رفض أن ينطق الشهادة إلا فى وجودك، ونظرت إلى أبي والدموع تملأ عيني فقال بصوته الواهن: ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) فما كان منى إلا أنى صرخت بأعلى صوتي الله اكبر … الله اكبر، حتى سمعني كل من فى المستشفى، وجاء الطبيب والممرضات متخيلين أن هناك أمرا ما حدث لأبي، وانهلنا أنا و أخى تقبيلا لأبي وهو فى قمة سعادته الآن، نحن ثلاثة مسلمين فى البيت، وأبي خرج من المستشفى ولله الحمد وإن كان ليس بطبيعته، ولكنه يصلي إما جالسا على كرسي أو في فراشه بعد أن تعلم الوضوء والصلاة ونعيش فى استقرار وأمن ولله الحمد.
تمــــــت بحمــد الله