النصرانية

الاضطهاد الديني وانتشار النصرانية

الاضطهاد الديني وانتشار النصرانية

ينطبق على النصارى المثل ” رمتني بدائها و انسلت ” ، إذ أن سبب انتشار النصرانية هو السيف الذي سلطته على الشعوب المختلفة ، و قد بدأ سيف القهر عندما تنصر قسطنطين الوثني في بدايات القرن الميلادي الرابع و قال له بطريرك القسطنطينية : ” أعطني الدنيا و قد تطهرت من الملحدين أمنحك نعيم الجنة المقيم “.

و يذكر القس مريك في كتابه ” كشف الآثار ” أن قسطنطين أمر بقطع آذان اليهود ، و أمر بإجلائهم إلى أقاليم مختلفة.

و في نهاية القرن الرابع وضع الامبراطور تيودسيوس ستاً و ثلاثين مادة لمقاومة اليهودية و الهرقطة ، و حظر عبادات الوثنيين ، و أمر بتحطيم صورهم و معابدهم . و في عام 379م أمر الامبراطور فالنتيان الثاني بتنصر كل رعايا الدولة الرومية ، و قتل كل من لم يتنصر، و اعترف طامس نيوتن بقتل أكثر من سبعين ألف.

و يقول غوستاف لوبون في كتابه ” حضارة العرب ” :” أكرهت مصر على انتحال النصرانية ، و لكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي ” .

و في القرن الخامس كان القديس أوغسطين يقول بأن عقاب الملحدين من علامات الرفق بهم حتى يخلصوا ، و برر قسوته على الذين رفضوا النصرانية بما ذكرته التوراة عن فعل يشوع وحزقيال بأعداء بني إسرائيل الوثنيين ، و استمر القتل و القهر لمن رفض النصرانية في ممالك أوربا المختلفة ، و منها مملكة أسبانيا حيث خيروا الناس بين النصر أو السجن أو الجلاء من أسبانيا ، و ذكر القس مرّيك أنه قد خرج من أسبانيا ما لا يقل عن مائة و سبعين ألفاً .

وفي القرن الثامن اعتيد فرض المسيحية في شروط السلام والأمان التي تعطى للقبائل المهزومة.

و قريباً من ذلك العنف كان في فرنسا، فقد فرض الملك شارلمان النصرانية بحد السيف على السكسون ، و أباد الملك كنوت غير المسيحيين في الدانمارك ، و مثله فعل الملك أولاف (995م) في النرويج و جماعة من إخوان السيف في بروسيا.

و لم ينقطع هذا الحال فقد أمر ملك روسيا فلاديمير (988م) بفرض النصرانية على أتباع مملكته.

يقول المؤرخ بريفولت: إن عدد من قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوربا يتراوح بين 7-15 مليوناً. و يلفت شلبي النظر إلى أن العدد هائل بالنسبة لعدد سكان أوربا حينذاك.

و لما تعددت الفرق النصرانية استباحت كل من هذه الفرق الأخرى و ساموا أتباعها أشد العذاب ، فعندما رفض أقباط مصر قرار مجمع خليقدونية عذبهم الرومان في الكنائس ، و استمرت المعاناة سنين طويلة ، و أحرق أخ الأسقف الأكبر بنيامين حياً ثم رموه في البحر. فيما بقي الأسقف متوارياً لمدة سبع سنين ، و لم يظهر إلا بعد استيلاء المسلمين على مصر و رحيل الرومان عنها.

و كتب ميخائيل بطريرك أنطاكية: ” إن رب الانتقام استقدم من المناطق الجنوبية أبناء إسماعيل ، لينقذنا بواسطتهم من أيدي الرومانيين ، و إذ تكبدنا بعض الخسائر لأن الكنائس التي انتزعت منا و أعطيت لأنصار مجمع خليقدونية بقيت لهم، إلا أننا قد أصابنا القليل بتحررنا من قسوة الرومان و شرورهم ، و من غضبهم و حفيظتهم علينا. هذا من جهة ، و من جهة أخرى سادت الطمأنينة بيننا ” ، و كان جستيان الأول (ت565) قد قتل من القبط في الإسكندرية وحدها مائتي ألف قبطي.

كما تعرض الموحدون النصارى للنفي و القتل في العصور مختلفة من تاريخ النصرانية فاضطهد آريوس و أتباعه و حرق سرفيتوس و …واستمر القتل والتنكيل حتى كاد أن يندثر الموحدون من النصرانية .

و كان للمسلمين نصيب كبير من الاضطهاد الديني خاصة في الأندلس التي عانى مسلموها من محاكم التفتيش حتى فر من استطاع الفرار إلى المغرب .
و يكفي أن ننقل ما سطره غوستاف لوبون في كتابه” حضارة العرب “حيث يقول عن محاكم التفتيش: ” يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع ، و اقترح القس بليدا قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد ، بما في ذلك النساء و الأطفال ، و هكذا تم قتل أو طرد و ثلاثة ملايين عربي”و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مائة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه ، و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف ، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى ، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم.

و قد تعرض المسلمون – سوى مذابح الأندلس – إلى مذابح عدة ليس هذا مجال ذكرها، منها مذبحة معرة النعمان ثم مذبحة الأقصى و غير ذلك،ونكتفي هنا بنقل ماذكره المؤرخ جيبون عن مذبحة القدس التي رافقت دخول الصليبيين : ” إن الصليبيين خدام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في 15/7/1099م أرادوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم ، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء …حطموا رؤوس الصبيان على الجدران ، وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل ، وشووا الرجال والنساء بالنار…”.

و قريباً من هذه المذابح جرى بين المذاهب النصرانية ، فقد أقام الكاثوليك مذابح كبيرة للبروتستانت منها مذبحة باريس (1572م ) و قتل فيها و أثرها ألوف عدة وسط احتفاء البابا و مباركته ، و مثله صنع البروتستانت بالكاثوليك في عهد المملكة أليصابات حيث أصدرت بحقهم قوانين جائرة ، و أعدمت 104 من قسس الكاثوليك ، و مات تسعون آخرون بالسجن ، و هدمت كنائس الكاثوليك أخذت أموالهم.

و كانت الملكة تقول: ” بأن أروح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبداً ، فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض ” .

و عليه نستطيع القول بأن النصرانية يرتبط تاريخها بالسيف و القهر الذي طال حتى أتباع النصرانية غير أن الاضطهاد النصراني يتميز بقسوة و وحسية طالت النساء و الأطفال و دور العبادة.

و قد جرت هذه الفظائع على يد الأباطرة بمباركة الكنسية و رجالاتها و كانت الكنيسة قد سنت القوانين التي تدفع لمثل هذه المظالم و تأمر بقتل المخالفين ، و من ذلك أن البابا اينوشنسيوس الثالث (ت1216م) يقول :” إن هذه القصاصات على الأراتقة ( الهراقطة ) نحن نأمر به كل الملوك و الحكام ، و نلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية ” و في مجمع توليدو في أسبانيا قرر أن لا يؤذن لأحد بتولي الملة إلا إذا حلف بأن ” لا يترك غير كاثوليكي بها ، و إن خالف فليكن محروماً قدام الإله السرمدي، و ليصر كالحطب للنار الأبدية “.

و قد أكد هذا قرار المجمع اللاتراني حيث طلب من جميع الملوك و الولاة و أرباب السلطة ” فليحلفوا أنهم بكل جهدهم و قلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم أراتقة ، و لا يتركون أحداً منهم في نواحيهم ، و إن كانوا لا يحفظون هذا اليمين فشعبهم محلول من الطاعة لهم .”

و هكذا رأى علماؤنا مظلمة النصارى لهذا الدين بهذه الشبهة التي هم أولى بها فما كان جهاد المسلمين قتلاً للنساء و الأطفال كما لم يكن لإجبار الناس على اعتناق الإسلام ، بل كان رحمة للأمم من جلاديها، و إزالة لطواغيت الأرض الذين يريدون أن يطفئوا نور الله ، و أبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره ذلك المشركون.

نقلا عن : الدكتور منقذ السقار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى