شبهات حول الإسلام

هل انتشر الاسلام بالسيف والقوة ؟

هل انتشر الاسلام بالسيف والقوة ؟


بين الدعوة والقوة يعتقد بعض المستشرقين وبعض من لم تتح لهم الفرصة للتعمق في الدراسات الإسلامية ، أن القوة كانت عاملا مهما في انتشار الإسلام ، ويتخذون من الحروب التي حدثت في حياة الرسول وبعد وفاته دليلا على ذلك ، وردا لهذا الادعاء نأخذ في شرح هذا الموضوع ، ونبدأ بأن نسأل سؤالين هامين:

1 – هل انتشر الإسلام بالدعوة أو بالقوة ؟ وما الدليل على ذلك ؟

2 – وإذا كان قد انتشر بالدعوة فلماذا وقعت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟

للإجابة عن السؤال الأول نقول في قوة وإصرار: إن الإسلام لم ينتشر بالسيف وإنما انتشر بالدعوة ، ونضع البراهين الواحد بعد الآخر في سلسة من آيات القرآن ، ثم في سلسلة من أحداث التاريخ بحيث لا يبقى للشك مجال :
فأما القرآن الكريم وهو دستور المسلمين الواجب الاتباع ، فقد وضح في عدة آيات أن الدعوة هي الطريق إلى الإسلام ، وأنه لا يجوز إجبار أحد على تغيير دينه ، قال تعالى :- لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. [سورة البقرة الآية 256] .

وقال تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” سورة النحل الآية 125

وقال تعالى: “لكم دينكم ولي دين” سورة الكافرون الآية السادسة .

وقال تعالى:” فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب”
سورة الرعد الآية 42 .

وقال تعالى: ” فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر”
سورة الغاشية الآيتان 21 – 22 .

وأما سلسلة التاريخ فترينا بوضوح أن الإسلام سلك طريقه بالدعوة ، متبعا هذه الآيات البينات ، ومبتعدا كل البعد عن القسوة .

وإلى القارئ بيان ذلك :

1 – حينما كان الرسول في مكة ، وحينما بدأ دعوته وحيدا لا سلاح معه ولا مال ، دخلها مجموعة من عظماء الرجال من أمثال أبي بكر وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير ثم عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب .

فهل يمكن أن نقول أن هؤلاء دخلوا بالقوة ؟ وأين القوة في ذلك الوقت ؟

2 – واضطهدت قريش المسلمين اضطهادا قاسيا ، وأنزلت بمحمد وأتباعه ألوانا من العذاب ، وفي وسط هذا العناء حينما كان محمد والمسلمون معه بمكة مغلوبين على أمرهم مستضعفين ، كان أهل المدينة يسعون للإسلام فيعتنقونه ويدعون له ذويهم وأهليهم ، فهل يمكن أن نقول أن الإسلام انتشر بالقوة بين سكان المدينة ؟

3 – جاء الصليبيون إلى الشرق إبان ضعف الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية لمحاولة القضاء على الإسلام ، وإذا بالاسلام يجذب جموعا منهم فيدخلون ويحاربون في صفوف المسلمين .

ويقول أرنولد : لقد اجتذبت الدعوة المحمدية إلى أحضانها من الصليبيين عددا مذكورا حتى في العهد الأول أي في القرن الثاني عشر ، ولم يقتصر ذلك على عامة النصارى بل إن بعض أمرائهم وقادتهم انضموا أيضا إلى المسلمين في ساعات انتصارات المسيحيون .

ويروي توماس أرنولد عن بعض مؤرخي النصارى قوله : إن ستة من أمراء مملكة القدس استولى عليهم الشيطان ليلة معركة حطين ، فأسلموا وانضموا إلى صفوف الأعداء دون أن يقهروا من أحد على ذلك ، ويعلل توماس أرنولد لانتشار الإسلام بين الصليبيين بقوله : ويظهر أن أخلاق صلاح الدين وحياته التي انطوت على البطولة ، قد أحدثت في أذهان المسيحيين في عصره تأثيرا سحريا خاصا ، حتى أن نفرا من الفرسان المسيحيين قد بلغ من قوة انجذابهم إليه أن هجروا ديانتهم المسيحية وهجروا قومهم وانضموا إلى المسلمين ، وكذلك كانت الحال عندما طرح النصرانية ، مثلا ، فارس إنجليزي من فرسان المعبد ، يدعى روبرت أوف سانت أليانس سنة 1185 م واعتنق الإسلام ثم تزوج بإحدى حفيدات صلاح الدين  . واقرأ ما كتبه توماس أرنولد عن ” حالات التحول إلى الإسلام بين الصليبيين ” في كتابه : الدعوة إلى الإسلام ص 7 . 1 وما بعدها

فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين الصليبيين بالقوة؟

؟ 4 – في القرن التاسع الهجري هجم المغول على العالم الإسلامي ، وكان هجومهم وحشيا قاسيا مدمرا ، سفكوا الدماء فسالت أنهارا ، وحطموا الحضارة الإسلامية ، وهدموا القصور والمساجد ، وأحرقوا الكتب ، وقتلوا العلماء ، وامتدت أيديهم إلى الخليفة فقتلوه وقتلوا معه أهله .
وأزالوا الخلافة العباسية سنة 656 ه‍ ، وأصبحت للمغول اليد العليا ، وهوت أمامهم كل قوى المسلمين في عاصمة الخلافة وما حولها ، ولكن سرعان ما جذب الإسلام إليه هؤلاء الفاتحين الغزاة ، وسرعان ما دخله المغول الذين هاجموه وعملوا على تقويضه .

فهل يمكن أن نقول إن الإسلام انتشر بين المغول بالقوة ؟

يقول سير توماس أرنولد في ذلك : لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من خطوب وويلات خطبا أعنف قسوة من غزوات المغول ، فلقد انسابت جيوش جنكيزخان ، واكتسحت في طريقها العواصم الإسلامية وقضت على ما كان بها من مدنية وحضارة . . .

على أن الإسلام لم يلبث أن نهض من رقدته وظهر من بين الأطلال ، واستطاع بواسطة دعاته أن يجذب أولئك الفاتحين البرابرة ويحملهم على اعتناقه

. 5 – أما عن غزوات الرسول؛ فإن التاريخ يحدثنا أن من غزوات الرسول انتصر فيها أعداء المسلمين ، ولكن الإسلام كان ينتشر في حالتي انتصار المسلمين وانهزامهم  .

6 – يحدثنا التاريخ بصراحة ووضوح أن أهم فترة انتشر فيها الإسلام هي فترة السلم الذي تلا صلح الحديبية بين قريش والمسلمين ، وكانت فترة السلم سنتين ، ويقول المؤرخون إن من دخل الإسلام في خلال هاتين السنتين أكثر ممن دخلوه في المدة التي تقرب من عشرين عاما منذ بدء الإسلام حتى ذلك الصلح .

وهذا يدلنا على أن انتشار الإسلام تبع السلام ولم يتبع الحرب .

7 – وهناك فكرة مهمة يجدر بنا أن نوضحها تماما ، ويجدر بالقارئ أن يتفهمها ، تلك الفكرة هي أنه لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين حروب المسلمين مع الفرس والروم وغيرهم فقد كانت الحروب تشتعل ، وكان المسلمون ينتصرون ، ثم تتوقف الحروب وتتوارى السيوف ، وحينئذ يتقدم الدعاة والمعلمون فيشرحون نظم الإسلام ومبادئه وفلسفاته ، وكانت هذه الدعوة السمحة تجذب لها الناس وبخاصة عندما رأت الشعوب المغلوبة الفرق الكبير بين حكم قيصر وطغيانه ، وبين بساطة عمر بن الخطاب وسماحته وتواضعه ، وبالدعوة دخل الناس أفواجا في الدين الجديد ، فمنهم من أسرع في الدخول ومنهم من دخل بعد عام ، أو خمسة أعوام ، أو مائة . . .

إن غالبية أهل الشام ومصر السفلى في القرن التاسع الميلادي كانت لا تزال مسيحية على الرغم من أن الإسلام كان قد مضى عليه في هذه البقاع أكثر من قرنين . ومن هؤلاء المسيحيين من لم يدخل الإسلام حتى الآن ، وتستطيع أن ترى اليوم الآلاف أو الملايين من المسيحين في مصر والجمهورية العراقية وغيرهما من البلاد الإسلامية .
مرة أخرى لا علاقة بين انتشار الإسلام وبين الحروب .

ومثل هذا ما ذكره J . Fage and Roland Oliver

من أن الإسلام لم يتخذ طريقه وراء الصحراء بإفريقية إلا بعد انحلال دولته الكبرى في المغرب ، وكانت وسيلة الإسلام لهذه البقاع هي الثقافة والفكر والدعوة ، فانتشر الإسلام بين شعوب البربر وبين الزنوج ، وقامت خلف الصحراء دول إسلامية لعبت في التاريخ دورا كبيرا.

8 – وانتشر الإسلام انتشار واسعا في الشرق الأقصى ( ماليزيا وإندونيسيا ) وانتشر كذلك في إفريقية كما أشرنا آنفا ، فأين القوة التي نشرته في هذه البلاد الفسيحة وجذبت له قلوب الملايين ؟

وهو ينتشر بين الإندونيسيين بيسر وبساطة ، رآه وهو يهزم الديانات الأخرى والأفكار المتعددة ويتقدم إلى الطليعة لا تدفعه إلا مبادئه السمحة وتعاليمه المعقولة الهادئة لها البسيطة ، وقد رأيت في إندونيسيا صراعا بين الأديان والأفكار ، كل منها يريد أن يكون أسرع وصولا إلى قلوب الإندونيسيين ، ولكل منها وسائل وطرق تعمل على تحقيق هذه الغاية .
كانت المسيحية يساعدها أو قل يفرضها بطش المستعمر وماله وجاله ، والكونفوشية يساعدها ملايين الصينيين الذين يقيمون في إندونيسيا – وتدفعها الثروات الضخمة التي يملكها هؤلاء الصينيون ، والهندوكية والبوذية تساعدهما صلات الهند بإندونيسيا ، تلك الصلات الثقافية والحضارية التي تضرب في أعماق التاريخ ، ورأيت الإسلام تدفعه مبادئه ويرعاه الله ، يعلمه عرب هاجروا من البلاد العربية بثقافة محدودة وبدون مال ولا سلطان ، أو يعلمه إندونيسيون ينطبق عليهم وصف العرب في فقرهم وقلة سلطانهم ، فماذا كانت نتيجة هذا الصراع ؟
أما الكنفوشية فقد خرجت صفر اليدين ، ولم تجذب إليها فردا واحدا تقريبا من أبناء إندونيسيا . وقنعت الهندوكية والبوذية بنصيب ضئيل حصلت عليه غالبا قبل زحف الإسلام .

وجذبت مدارس المسيحيين ومستشفياتهم ووظائفهم عددا قليلا لا يتجاوز المليونين ، وأغلبهم سقطوا في المسيحية مخدوعين ، فالطفل يدخل مدرسة مسيحية ويتلقى تعاليم هذه الديانة ثم يخرج مسيحيا ولا يعرف غير المسيحية ، والمريض يشترك في الصلوات والأدعية التي تقام في المستشفيات وليس له إلا الاشتراك أو الطرد من المستشفى ، وهكذا دواليك .

أما الإسلام فقد اكتسح وتسرب في النور وبالدعوة السلمية إلى أكثر من تسعين في المائة من سكان إندونيسيا الذين يقربون من تسعين مليونا .

أما انتشار الإسلام في إفريقية فندع الحديث عنه إلى شاهد عيان آخر ذلك هو الكاتب المسيحي الفرنسي هوبير ديشان حاكم المستعمرات الفرنسية بإفريقية حتى سنة 1950 وهو يقول (  الديانات في إفريقية السوداء ص 128 – 129 ) : إن انتشار دعوة الإسلام في أغلب الظروف لم تقم على القسر ، وإنما قامت على الاقناع الذي كان يقوم به دعاة متفرقون لا يملكون حولا ولا طولا إلا إيمانهم العميق بربهم ، وكثيرا ما انتشر الإسلام بالتسرب السلمي البطئ من قوم إلى قوم ، فكان إذا ما اعتنقته الارستقراطية وهي هدف الدعاة الأول تبعتها بقية القبيلة ، وقد يسر انتشار الإسلام أمر آخر هو أنه دين فطرة بطبيعته ، سهل التناول ، لا لبس ولا تعقيد في مبادئه ، سهل التكييف والتطبيق في مختلف الظروف ، ووسائل الانتساب إليه أيسر وأيسر ، إذ لا يطلب من الشخص لإعلان إسلامه سوى النطق بالشهادتين فيصبح بذلك في عداد المسلمين ، وقد حبب الإسلام إليهم مظاهره الخلابة كالثوب الفضفاض والمسبحة والكتابة العربية والوقار الديني وشعائر الصلاة ، مما يضفي على المسلم مكانة مرموقة وجاذبية ساحرة ، فالذي يدخل الإسلام ولو في الظاهر ، يشعر بأنه أصبح ذا شخصية محترمة ، وأنه ازداد من القوة والحيوية .
وتقول الباحثة الألمانية الدكتورة llse Lictens Eadter:
إن التخيير ببلاد الفرس والروم لم يكن بين الإسلام والسيف ، وإنما بين الإسلام والجزية ، وهي الخطة التي استحقت الثناء لاستنارتها حين اتبعت بعد ذلك في إنجلترا إبان حكم الملكة الياصابات .

ونجئ بعد ذلك إلى السؤال الثاني : لماذا حدثت الحروب بين المسلمين وغيرهم ؟
والإجابة عن هذا السؤال سهلة يسيرة أشرنا إلى بعضها فيما سبق وسنذكر فيما يلي موجزا شاملا لها . 1 – الدفاع عن النفس : يقرر التاريخ أن المسلمين قبل الهجرة لم يؤذن لهم بقتال ، وقد ضرب عمار وبلال وياسر وضرب محمد وأبو بكر ، ومات ياسر تحت العذاب ، ولم يرفع هؤلاء أيديهم لرد الاعتداء الذي وقع عليهم . ولكن المشركين أسرفوا في عدوانهم ، ووصلوا إلى حد اتخاذ قرار بقتل محمد .
ووضعوا خطتهم على أن ينفذوا قرارهم قبل أن يهاجر إلى المدينة حتى تتخلص الجزيرة العربية من الإسلام والمسلمين . فكان من الضروري أن يدافع المسلمون عن أنفسهم ، وقد أذن الله لهم بالدفاع بقوله : ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ” (
سورة الحج الآيتان 36 – 40 ) . ويتضح من الآية للذي يمعن النظر أن الإسلام لا يحب القتال ، فالفعل ( أذن ) مبني للمجهول ، وفاعله عندما كان مبنيا للمعلوم هو الله سبحانه وتعالى ، وقد بني الفعل للمجهول لأن الله لم يرد – فيما أفهم – أن يذكر اسمه الكريم متصلا بالإذن بالقتال .
ثم إن نائب الفاعل محذوف تقديره : ( القتال ) أي أذن لهم القتال ، ولم يذكر نائب الفاعل أيضا لأنه كلمة ( القتال ) ، وبدل نائب الفاعل ذكر سبب الإذن وهو ( بأنهم ظلموا ) وقد دعا هذا بعض المسلمين أن يقولوا عندما نزلت هذه الآية : إنها لا تكفي لنقاتل المشركين ، لأن روحها تميل إلى السلم ولو أن ألفاظها تأذن بالقتال . ولم يبدأ القتال الحقيقي بين المسلمين وغيرهم إلا بعد أن نزلت آية أخرى :
هي ” وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (
سورة البقرة الآية 190 ) ” ومع أن الإذن هنا صريح إلا أنه مشروط بحالة الدفاع ، وعدم الاعتداء ، فالاعتداء يسبب سخط الله . وهكذا كان السبب الرئيسي للقتال هو الدفاع عن النفس والعرض والمال .

وهنا يبدو موضوع مهم يتصل بالحبشة تلك البلاد التي ليست بعيدة عن الجزيرة العربية والتي للمسلمين بها عهد منذ مطلع الإسلام ، حتى أنهم هاجروا إليها قبل هجرتهم للمدينة . والسؤال المهم هو أن المسلمين لم يهاجموا الحبشة ، لأن الحبشة لم تمسهم بسوء ، ولو كان المقصود نشر الإسلام بالقوة لهاجموها ، فهي أقل قوة من الفرس والروم .
قد يقال إن البحر يحميها منهم ، والجواب سهل ، فقد ملك المسلمين بحرية قوية هاجموا بها القسطنطينية وسيطروا بواسطتها على أهم جزر البحر الأبيض المتوسط ، ولكنهم لم يتجهوا للحبشة ، فما كانت أعمال المسلمين الحربية إلا دفاعا وردا لاعتداء . 2 – تأمين الدعوة وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها ، فقد كانت الدعوة الإسلامية مهددة ، وكانت قريش تسلك كل السبل للقضاء عليها ، ثم كان هناك كثير من العرب يميلون للإسلام ويريدون الدخول فيه ، ولكنهم كانوا يخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن سبقوهم إلى الإسلام من عذاب وإيذاء ، فأذن الله لرسوله وللمؤمنين أن يقاتلوا من قاتلهم ، وأن يردوا بقوة السيف الاعتداء الذي قد ينزل بأحد منهم ، قال تعالى : “وما لكم لا تقاتلون في في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء” ( سورة النساء الآية : 75 ) . 3 – المحافظة على الأمة الإسلامية من أن تدكها جيوش الفرس والروم ، فقبل الإسلام لم تكن هناك أمة عربية ، وإنما كانت هناك قبائل عربية متحاربة متنافرة ، ولذلك لم يكن الفرس والروم يقيمون حسابا للعرب ، إذ كان العرب داخل جزيرتهم يصطرعون صراعا يكاد يكون متصلا ، ولهذا غض الفرس والروم بصرهم عن الجزيرة العربية لأنها لم تكون وحدة يمكن أن تصبح خطرا على الدولتين المجاورتين في الشمال .
فلما جاء الإسلام آمن به بعض العرب وكفر به آخرون ، وقام نزاع عنيف في الجزيرة العربية بين المسلمين وغير المسلمين ( قريش واليهود ) ، وفي هذه المرحلة لم يهتم الفرس والروم أيضا بهذا الدين الجديد ، وقالوا إنها حركة قام بها عربي وسيقتلها العرب واليهود ، وظنوا إنها نوع من الصراع الداخلي لا يلبث أن يموت .

ولكن سرعان ما بدأ الإسلام ينتصر على أعدائه وينتشر بين العرب ، وسرعان ما تكونت في الجزيرة العربية دولة قوية متحدة ، وبالإضافة إلى قوتها واتحادها كانت لها مبادئ الدين الجديد ، الذي اجتمع العرب حوله ، والذي استلزم الدعوة له ، وقد فوجئ كسرى وقيصر بحقيقة خطيرة هي أن الرسول أرسل لهما يدعوهما للإسلام في العام السابع للهجرة ، ويدعو قومهما كذلك ، واعتقد السيدان أن محمدا لم يقنع بتأسيس دولة عربية ، وإنما أخذ يطمع في مد سلطانه إلى أرضهما . كل هذا أدخل الذعر والخوف في نفوس الفرس والروم ، فقد أصبحت الجزيرة العربية منافسا خطيرا ، قويا متحدا ، وأصبحت دولة لها دين ولها مبادئ ، تعمل على نشر هذا الدين وإذاعة أفكاره واكتساب الأنصار إليه ، ومن أجل هذا دخل الفرس والروم المعركة ، وقررتا ضرورة القضاء على الدولة الإسلامية الجديدة والقضاء على الوحدة التي تكونت عند العرب ، وقد بدأ ذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد وقعت في عهده غزوة مؤتة بين الروم والمسلمين وقتل فيها مجموعة من خيرة القواد المسلمين ، كما خرج الرسول لمواجهة الروم في غزوة تبوك عندما بلغه أنهم تجمعوا لمهاجمة المسلمين . وكان المسلمون يتوقعون هجوم الروم عليهم كل لحظة .

وكما تحرش الروم بالمسلمين تحرش بهم الفرس أيضا ، فالتاريخ يروي لنا أن القبائل الموالية للفرس كانت توالي الإغارة على أرض المسلمين ، ولم تكن حرب المسلمين مع الفرس إلا امتدادا للدفاع الذي قام به المسلمون ليحموا أنفسهم وذويهم من هؤلاء المغيرين . والحرب – مع ذلك – لم تكن مع الشعوب ، وإنما كانت مع قيصر وكسرى وجيوشهما الباغية ، هؤلاء الجبابرة الطغاة الذين كانوا يسلبون الشعوب المغلوبة حرياتها وثرواتها ، وقد تعاونت هذه الشعوب مع المسلمين وقت الزحف وهذا مما سهل انتصار المسلمين ، وقد دخلت أكثر هذه الشعوب الإسلام ولكن بالدعوة التي ابتدأت بعد انتهاء الحروب ، ويقرر المؤرخون أن غالبية هذه الشعوب دخلت الإسلام لا وقت الفتح أو عقبه ، بل بعد الفتح بأكثر من قرنين ، وهذا يقطع بأن انتشار الإسلام لم يرتبط بالحروب وبخاصة إذا لاحظنا ارتباط انتشار الإسلام بفترات الضعف التي عرفها التاريخ الإسلامي كما أشرنا لذلك آنفا.

ومبادئ الإسلام واضحة في أن أي قتال إنما هو لرد عدوان كما سبق القول ، وينص القرآن على أن على المسلمين أن يلجئوا للسلم إذا أوقف أعداء الإسلام عدوانهم ، قال تعالى : ” وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ( سورة الأنفال الآية 61 ) ” وقال : ” فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا” (سورة النساء الآية 90 ) ” . وقد سار الرسول على هدى هاتين الآيتين الكريمتين ، فنراه يخرج لملاقاة الروم عندما بلغه أن جموعهم تجمعت على أطراف الجزيرة وأنها تريد الهجوم ، فلما وصل إلى تبوك ووجد أن جيوش الروم تراجعت لم يفكر في مهاجمة الروم ، وإنما عاد أدراجه إلى المدينة . علاقة الحالة الاقتصادية بالحروب

: .
بتصرف من  : http://sbeelalislam.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى