الإسلاميون واستقرار الدول الخليجية
حمد الماجد
الهجوم المركز هذه الأيام على الإسلاميين في العالم العربي ودول الخليج على وجه الخصوص يقدم خدمة على طبق من ذهب لإيران ولتوسعها السياسي والآيديولوجي في المنطقة (الهجوم غير النقد الموضوعي)، فإيران تحاول أن تخترق عالمنا العربي عبر بوابة «بعض» الفصائل الإسلامية، وقد اتبعت إيران خطتين في تنفيذ استراتيجيتها التوسعية؛ الخطة الأولى تقوم على التسويق للنفوذ الإيراني عبر شعارات الثورة الإيرانية الخادعة بعد اندلاعها، مثل «الوحدة الإسلامية، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وخلخلة النفوذ الأميركي»، وقد انطلت هذه الشعارات على بعض الفصائل الإسلامية، فوثقت علاقتها بإيران مستفيدة من دعم إيران المادي، وقبضت إيران في المقابل «عوائد» من النفوذ السياسي والآيديولوجي في المنطقة لا تقدر بثمن.
هذه الخطة أصابتها الثورة السورية في مقتل وعرتها تماما وأصبحت إيران وأذنابها في المنطقة مثار تهكم وسخرية الشعوب العربية وهم يتحدثون عن نصرتهم للمستضعفين وهم في نفس الوقت يدعمون نظام بشار، أكثر الأنظمة الديكتاتورية وحشية ودموية ضد «المستضعفين» من الشعب السوري الأعزل الذي ينشد حريته وكرامته، حتى إن حسن نصر الله قائمقام إيران في لبنان صار منظره يثير الشفقة وهو لا يزال يتحدث عن أن زوال نظام بشار زوال لنظام الممانعة، وهو يعرف في قرارة نفسه أن الخدعة صارت سمجة وغبية، ويبدو أن قصارى غايته من ترديد هذه الأسطوانة السمجة تبييض وجهه أمام قيادته في قم وأنه «قايم باللي عليه».
الخطة الثانية في استراتيجية إيران للتوسع السياسي والآيديولوجي، تقوم على استغلال القطيعة بين التوجهات الإسلامية والحكومات العربية وجعل هذه القطيعة جسرا لإيران إلى منطقتنا، متبعة قاعدة (إن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نواسك) وهي الرسالة التي وجهها ملك غسان للصحابي الجليل كعب بن مالك، أحد الذين خلفوا عن غزوة تبوك، وهذا بالضبط ما استطاعت إيران تحقيقه في فلسطين عبر استغلال القطيعة العربية لحماس فخلا الجو لإيران فمدت يدها لحماس وحققت إيران لحماس ما أخفقت الدول العربية في تحقيقه، وهذا ما لم يفهمه بعض المثقفين العرب الذين ضايقتهم انتصارات الإسلاميين البرلمانية المستحقة في كل من مصر وتونس والكويت والمغرب، فبدأوا يدقون ناقوس الخطر محذرين بقية الدول العربية من التوجهات الإسلامية في بلدانهم، في وقت تشهد فيه منطقتنا معركة مفصلية على الثرى السوري ضد النفوذ الإيراني، هذه المعركة الحاسمة تتطلب رص «كل» الصفوف ضد إيران، بدل تفتيتها وخلخلتها وإشغال الرأي العام العربي بقضايا جانبية هامشية لا يمكن بأي حال أن ترقى إلى خطورة وأهمية صراعنا مع الخطر الإيراني الداهم.
إن دق إسفين الخصومة أو العداوة بين حكومات الدول العربية عامة ودول الخليج خاصة وبين التوجهات الإسلامية فيها علاوة على أنه سيضعف الجبهة الداخلية ضد إيران ومخططاتها فهو أيضا يعني تقويض تجربة رائدة كان من المفروض أن تنسخ وتلصق في بقية الدول العربية، هذه التجربة التي قامت على «دمج» التوجهات الإسلامية في العمل الحكومي وجعلها وأنشطتها وبرامجها جزءا من العمل الحكومي كما هو حاصل في كل من السعودية والكويت وقطر، هذه العلاقة التي فكت كثيرا من الاحتقانات وجنبت هذه البلدان ويلات الفتنة التي حصلت في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا، والتي تقوم على العداء المستحكم بين حكومات هذه البلدان وتوجهاتها الإسلامية، مما هيأ مناخا ملائما للقلاقل ثم الثورات.
ولهذا فمن البلاهة أن يتصور من يتلذذ بتحذير الدول الخليجية من التوجهات الإسلامية أنه أحسن في تحذيره ونصيحته، لأنهم بكل بساطة أولا يساعدون على خلق مناخ فتنة خطيرة، وثانيا هم يسدون خدمة كبرى لإيران التي يسيل لعابها كلما أطلت خصومة بين الدول الخليجية وتوجهاتها الإسلامية، لأنها المستفيد الأول لو كانوا يفقهون.
نقلا عن الشرق الأوسط