حقيقة الإسلام

الحكمة من الصيام_2

 

ـ الصيام يعلم العبودية :

 شيءٌ آخر ، الصّيام يعلّم العبوديّة ، فما هي العبوديّة ؟ الإنسان حينما يطبّق شيئًا يعلمُ حكمتهُ تمامًا ، قد يطبّق هذا الشيء لمصلحته ، كلّ إنسانٍ حينما يصيبهُ خلل في جسمه يتوجّه إلى الطبيب ، ويعطيه الطبيب الدواء المناسب ، هو حينما يأخذ الدواء لا حُبًّا بِزَيد أو عُبيد ، ولكن حُبًّا بذاته ، يأخذ الدواء ليشفى من مرضه ، فإذا اتَّضَح الأمْر اتِّضاحًا جليًّا ، ليس في الأمر عبوديّة إنّما في الأمر مصلحة ، ولكن حينما يأمرك الله سبحانه وتعالى أن تدَعَ الذي أحلّه لك ، أن تدع الشيء الذي شرعهُ الله لك ، أن تدع الشيء الذي لا يختلف اثنان في حلّه في العالم ، أنت في أيّام الصّيف الشديد ، والحرّ لاهب ، وأنت تمتنع عن شُرب الماء ، فقال بعض العلماء : إنّ الصّيام عبادة هدفها إظهار العبوديّة لله عز وجل ، أحيانًا أب عظيم على مستوى رفيع من العلم ، والقدرة ، والغنى ، والحكمة ، كلّما أمر ابنه أمْرًا علَّلَهُ له ، اجْتَهِدْ من أجل مصلحتك في المستقبل ، نظِّف أسنانك من أجل أن تصونها من التَّلَف ، افعل كذا ، فخِلال التعامل مع هذا الأب العظيم ألا تسمحُ لك ثقتك به أن يأمركَ أمْرًا لا تفهم معناه ؟ وأن تنصاع له ، إن لم تفعل فأنت لسْتَ مستسلمًا له ، فالصّيام أيضًا مناسبة كي تعرف أنّك عبدٌ لله عز وجل ، وأنّ العبد عليه أن يطيع سيّدهُ ليس غير ، ومن دون أخذٍ وردّ ، ومن دون سؤال وجواب ، ومن دون اعتراضٍ وخِطاب .

 

ـ الصيام من أجل التقوى و تصحيح الرؤية :

 شيءٌ آخر ، هو أنّ الصّيام شرعه الله سبحانه وتعالى في نصّ القرآن الكريم من أجل التقوى ، والتّقوى قلّما يقف عندها الناس ، يظنُّونها الطاعة ، والحقيقة أنّ الإنسان أيّ عملٍ يفعلهُ ، وراءهُ رؤية ، فهذا الذي يقدمُ على شيء ينكرهُ المجتمع ، لماذا أقْدَمَ عليه ؟ لأنّه رأى فيه مَغْنمًا ، إذًا رؤيته غير صحيحة ، وهذا الذي يُقْدمُ على أخذ مالٍ ليس له ، لماذا فعل هذا ؟ لأنّه رأى في هذا المال الحرام مغْنمًا ، إذًا أخطرُ شيءٍ بالحياة أن تكون لك رؤيةٌ غير صحيحة ، لأنّ كلّ معصيَة ، وكلّ إثم ، وكلّ تجاوُز ، وكلّ طغيان ، وكلّ بغي ، وكلّ ظلم ، وكلّ انحراف، وكلّ مخالفة إنَّما هي سُلوك وراءهُ رؤية ، فمتى صحَّت الرؤية صحّ العمل ، التقوى تُصحّح لك الرؤية عن طريق النور الإلهي ، لهذا قال الله عز وجل :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 بِشَكلٍ مبسّط وواضح ، الإنسان إذا سار في طريقٍ مظلم ، وفي غابةٍ موحِشَة ، فيها حُفَر ، وفيها أكمات ، وفيها حشرات ، وفيها عقارب ، وفيها وُحوش ، والظّلام دامس ، إذا أخرج الواحد يدهُ لم يرها ، ما الذي يقيهِ من شرّ هذه الغابة ؟ أن يمسِكَ بيَدِهِ مِصباحًا وضّاءً ، يُريه الحفرة فيحيدُ عنها ، يريه المصباح الحشرة فيتجنَّبُها ، يُريه الثمرة فيأكلها ، فتقريبًا التقوى هي نورٌ يقذفُه الله في القلب ، ترى به الخير خيرًا ، والشرّ شرًّا ، من هنا قال الله عز وجل :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 أما أن تظنّ أنّ الصّيام عبادةٌ عظيمةٌ أمرنا الله بها ، وهي فقط ترْك الطّعام والشّراب، فالله سبحانه وتعالى غنيّ عن تَجويعنا ، وغنيّ عن تعذيبنا ، وغنيّ عن إرهاقنا ، وإنّ جوعنا وعطشنا لا يفعلُ شيئًا عند الله عز وجل ، إنّ العبادة التي تبدأ بِتَرك الطّعام ، وتنتهي بِتَناولِه ليسَت عبادة ، وليست من الدّين في شيء ، إنّ هذه العبادة العظيمة مَظهرها ترْك الطّعام والشّراب ولكن حقيقتها إنابةٌ إلى الواحد الدّيان ، وعودةٌ إليه ، وتذكّر لِعَهد الطاعة ، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول في بعض الأحاديث القدسيّة : ” إنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم ، أخلق ويُعبدُ غيري ” فأنت في رمضان مَدفوعٌ إلى أن تعبد الله وحده ، ولكن هذه العادة التي يقعُ فيها بعض الناس أنّ رمضان يغضّ فيه بصرهُ ، ويُحصنُ فيه نفسهُ ، ويدع فيه قول الزور ، والعمل به ، ويدع الكذب والغيبة والنميمة ، فإذا أفْطر في واحد شوّال أفطرتْ معهُ جوارحهُ ، فعاد إلى ما كان عليه ، ليتَ شِعري ماذا فعل هذا في رمضان ؟ إنّه كمن يُلقي ماءً في وعاءٍ لا قعْر له ، ماذا فعل ؟! ما فعل شيئًا ، فالإنسان حينما يصوم في رمضان يجبُ أن يُقلع عن المعاصي في كلّ السنّة ، أقلعَ في رمضان لِيُقلع عن كلّ معصيَة حتى نهاية الحياة

المصدر:موسوعة النابلسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى