القرود أمم أمثالنا…
يقول تبارك وتعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) وفي هذه المقالة نتأمل بعض الدراسات العلمية حول القرود وما يقوله الباحثون اليوم
لا نريد أن نخوض في نظريات عقيمة مثل نظرية التطور التي تقول: إن الإنسان أصله قرد! وغير ذلك مما يردده الملحدون، ولكن سوف نتأمل الأبحاث العلمية الصحيحة حول هذه المخلوقات، ونثبت أن هناك اختلافات جذرية بينها وبين البشر، مع العلم أن القرود تشبه البشر في كثير من النواحي، بل هي أمم أمثالنا. وهذا ما نجد له صدى في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38].
هناك هدف آخر أيضاً من هذه المقالة وهو أن ندرك كيف كرَّم الله الإنسان على هذه المخلوقات بالعلم والنعم التي لا تُحصى، يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]. فعندما ندرك نعمة الله علينا، وكيف ميَّزنا على هذه المخلوقات، فلابد أن نشكر الله عز وجل، يقول تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18].
والآن إلى هذه الحقائق العلمية حول مخلوقات تسبح الله، وهي القردة، وقد يستغرب البعض من هذه المقالة، فطالما كان القرد مثالاً للاشمئزاز والتحقير والتصغير، بل إن الله عندما غضب على بني إسرائيل جعل منهم القردة والخنازير، لنتأمل هذه الآيات:
1- يقول تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [البقرة: 65].
2- ويقول أيضاً: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 60].
3- ويقول أيضاً: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [الأعراف: 166].
وهذا لا ينتقص من شأن هذه المخلوقات، فهناك الفئران والصراصير والضفادع وغيرها، وكلها مخلوقات تسبح الله تعالى الذي يسبح بحمده كل شيء: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44]. وعندما مسخ الله طائفة من اليهود فحوَّلهم إلى قردة، فقد اختار لهم أفضل وأذكى الحيوانات (وهي القردة)، والتي تشبه البشر بدرجة كبيرة، فتأملوا معي رحمة الله بعباده، حتى عندما يعذبهم يكون رحيماً بهم!
أما الخنازير فهي أيضاً تشبه البشر في كثير من النواحي، ولا تزال الأبحاث جارية على هذه المخلوقات، ومع أن الإسلام حرَّم لحم الخنزير، إلا أن هذا المخلوق هو جزء من خلق الله الذي أتقن كل شيء، يقول تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88]. ولذلك لا مانع من نتأمل هذه المخلوقات وندرك عظمة الخالق تبارك وتعالى. وسوف نخصص هذه المقالة للقرود أما الخنازير فسوف نتناولها في مقالة أخرى إن شاء الله تعالى.
الحياة الاجتماعية للغوريلا تشبه حياة البشر
تعيش الغوريلا الغربية في سلام في جماعات تشبه الحياة الاجتماعية للبشر، كما أظهرت إحدى الدراسات العلمية. فقد حظيت الغوريلا الجبلية وحدها، وهي الغوريلا التي تتسم بسلوكها العدواني وضربها على صدورها بقبضتها والاقتتال، بالكثير من الدراسات العلمية التي ترصد سلوكها. ولكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن الغوريلا الغربية، وهي فصيلة أخرى من الغوريلا غير الفصيلة الجبلية، تتعامل بشكل هادئ مع القردة الأخرى. وتشير الدراسة الجديدة إلى أن الغوريلا تشترك مع الشمبانزي والإنسان في بعض الصفات السلوكية.
قام الباحثون الأمريكيون والألمان بجمع عينات من فراء وبراز الغوريلا من أعشاشها التي تستخدمها في مختلف الجماعات، وذلك من أجل تحليل الحمض النووي لها. وكشفت الفحوص أن جماعات الغوريلا التي تعيش في مناطق متجاورة، يقودها ذكور بينها روابط وراثية. وعندما يلتقي ذكر ناضج، والذي يكون لون الفراء على ظهره فضياً، بمجموعة يقودها أخوه أو أحد أقاربه، تكون هذه اللقاءات دائما سلميَّة لا عنف فيها.
وتقول الدكتورة بريندا برادلي، من معهد ماكس بلانك للأنثروبيولوجيا التطورية في ليبزيج بألمانيا: “غالبا عندما تلتقي جماعات الغوريلا الجبلية مع جماعات غوريلا أخرى في الغابات، تكون تصرفات الذكور مع ذكور الجماعات الأخرى عنيفة للغاية، بما في ذلك قيام الذكور بضرب صدورهم بقبضات أيديهم، وربما يضربون بعضهم. لقد لاحظ العلماء أنه عندما تلتقي جماعات الغوريلا الغربية، تكون تصرفاتها مع بعضها البعض مسالمة للغاية، وكان ذلك يحيّر العلماء، لأنهم اعتادوا مشاهدة الغوريلا دائما في مواقف العنف الشديد”.
يعتقد العلماء أن سلوك الغوريلا المسالم في حالة الغوريلا الغربية، يشير إلى وجود روابط عائلية بين ذكور الجماعات. فعندما يغادر ذكر الغوريلا الجماعة التي ولد فيها، ويبدأ في تكوين أسرته الخاصة، يظل في نفس المنطقة التي ولد بها، ويظل محتفظاً بعلاقات مع جماعته الأصلية التي يقودها في الغالب أبوه أو أخوه. ولوحظ نفس السلوك في الشمبانزي، وهي القردة العليا الأقرب للإنسان وراثياً، مما يشير إلى أن المجتمعات البشرية الأولى تكونت بنفس الطريقة. الغوريلا هي الأكبر حجماً بين القردة العليا، وهي كذلك من بين أكثر الكائنات تعرضاً لخطر الانقراض. وقد حظيت الغوريلا الجبلية بما يكفي من الدراسات منذ الخمسينات، وهي فصيلة بقي منها 700 فرد فقط. أما الغوريلا الغربية، فهي أكثر شيوعا، ويبلغ تعدادها 94 ألف فرد تقريباً.
القردة تميَّز بين العدل والظلم!!
تستطيع القردة التمييز بين العدل والظلم حيث تبدي اعتراضها عندما يتم إعطاء قرود أخرى مكافأة أكبر على أداء نفس العمل أو نفس الحركة. فقد أكد الباحثون الأمريكيون في بحث نشر في مجلة الطبيعة، أن القرود المقلنسة تبادل الهدايا المختلفة بالطعام. فتشعر القردة عادة بالرضا عندما تستبدل “النقود” بالخيار. لكن إذا رأت القردة أن قرداً آخر حصل على كميات أكبر من الطعام فإنها تبدي بعض مظاهر الاعتراض. فيرفض بعضها القيام بأي حركات فيما يأخذ البعض الآخر الطعام لكنه يمتنع عن تناوله. وخلص العلماء من هذه الملاحظة إلى أن الإحساس الإنساني بالعدل والظلم هو إحساس فطري متوارث وليس ناجماً عن تفاعلات اجتماعية.
وتقول الباحثة سارة بروسنان “اخترت القردة المقلنسة لأنها متعاونة جدا كما أنها تعيش وسط بيئة مليئة بالتسامح فيما بينها، أجرينا تجربة بسيطة للغاية لمعرفة ما إذا كانت القردة ستردّ على التفرقة في المكافآت والمجهود.” يذكر أن القردة المقلنسة تحب تناول الخيار، إلا أنها تعشق العنب. وعلى هذا الأساس، تم تقسيم القردة إلى أزواج بحيث يتم التفريق في المعاملة بين زوجي كل مجموعة عند أدائها نفس المهمة أو الحركات.
وأوضح الباحثون أن رد فعل القردة كان مثيراً للغاية. وقالت سارة تعقيبا على ذلك “كنا ننتظر رد فعل موضوعي، حصلنا عليه بالفعل. فقد رفضت القردة أداء أي مهمة أو حركة كانت تكلّف بها، ففي بعض الأحيان كانت تقوم بالمهمة لكنها ترفض المكافأة، وهو ما يعد سلوكا غير معتاد، وفي بعض الأوقات كانت تتجاهل المكافأة، وفي أحيان أخرى كانت تلتقطها ثم تلقيها بعيدا.” ولم يندهش الباحثون من إحساس القردة بالعدل والظلم، لكن ما أثار انتباههم هو رفض القردة للمكافآت التي تحبها.
تقول سارة “لم تبد القردة أي رد فعل تجاه شركائها من القردة التي كانت تتلقى معاملة أفضل فلم تحاول القيام بأي تصرف تبدي من خلاله عتابها لشركائها. ونقوم حاليا بإجراء دراسة مماثلة على الشمبانزي الذي يعد من رتبة القردة العليا لمعرفة إلى أي مدى تطورت غريزة الاحساس بالعدل. أعتقد أن بعض الحيوانات الأخرى التي تعيش في بيئات تتميز بالتعاون والتسامح ستبدي نفس السلوك”، وتعقيبا على تلك الدراسة، أفاد خبراء متخصصون في هذا المجال بأن فكرة ارتقاء الإحساس بالعدل منذ زمن بعيد مثير بحق. والسؤال الآن هل غريزة الإحساس بالعدل سبق ظهور الإنسان على سطح الأرض.
ونقول إن الله تعالى وضع في داخلنا الإحساس بالعدل والظلم، وكذلك وضعه في بقية المخلوقات، وذلك لنلمس معنى العدل، ونستشعر اسماً من أسماء الله الحسنى ألا وهو (العدل) تبارك وتعالى، ومن عظمة الخالق تبارك وتعالى أنه أودع هذا الإحساس في مخلوقاته، وسوف يحاسبهم يوم القيامة، وفي ذلك ردّ على الملحدين الذين ينكرون البعث وينكرون الحساب!
ونقول للمشككين: من أين جاء إحساس الإنسان والحيوان بالعدل أو الظلم؟ وما هي القوة التي أودعت في داخل المخلوقات هذا النظام؟ ولماذا؟ ونجيب (لأنه لا إجابة لديهم): إن الله تعالى هو الذي خلق الكون وخلق البشر وخلق الحيوانات، وجعل في داخلها إحساساً فطرياً بالعدل والظلم، وهذا الإحساس سيقود الإنسان السوي لمحاسبة نفسه وعدم ظلم الآخرين، وليدرك أن هناك خالقاً عظيماً يراقبه ويسمعه ويراه، ولذلك فإن آخر آية نزلت من القرآن تخبرنا بأن الله لا يظلم أحداً، وأن المخلوقات سترجع إلى خالقها فيحاسبها على كل كبيرة وصغيرة، وذلك في يوم لا شك فيه، قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
التجارة عند القرود
جاء في خبر علمي جديد أن القرود العليا في مراتب الذكاء ستضيف أدلة جديدة لإثبات صحة نظرية النشوء والتطور الداروينية، حسب آخر ما كشف عنه العلماء. فقد تبين لهم أن قردة “اورنجتان” أو إنسان الغابة كما يسمى أحياناً، وهو نوع راق من أنواع القردة، هي حيوانات مدركة للتجارة بالفطرة، حتى وان كانت تجارة بدائية.
وهنا أود أن أتوقف لأقول إن التشابه بين البشر وهذه المخلوقات لا يثبت صحة نظرية داروين، ولكن يثبت صدق قول الحق تبارك وتعالى عندما قال: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)، فهذا الخبر جاء في القرآن قبل أربعة عشر قرناً، وهذا التشابه أيضاً هو دليل على أن الخالق واحد! يقول عز وجل: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62]. ولا أدري لماذا يردّ هؤلاء العلماء كل ظاهرة تصادفهم، يردونها للتطور وينسون خالق التطور عز وجل!
ففي دراسة نشرت في دورية “اوراق البايولوجي” البريطانية قال علماء إن قردة تعيش في حديقة حيوانات في ألمانيا، درّبت على مقايضة كوبونات أو بونات مقابل الطعام، أظهرت نوعا من الذكاء البدائي في استخدامها. فقد لاحظ العلماء أن القردة التي أعطيت بعضاً من تلك الكوبونات أعطتها لقردة أخرى ولكن بحسب كمية الطعام التي تحصل عليها مقابلها.
ويقول العلماء انه عندما يدرك القرد أنه أعطى كوبونات أكثر من استحقاق الطعام الذي يحصل عليه، يبدأ لاحقا في تقليص عدد الكوبونات التي يعطيها مقابل الحصول على طعام أكثر. وهذا يعني أنه بات يدرك أهميتها في الحصول على هذا الطعام بكميات محددة الحجم. وهذا الاكتشاف العلمي يؤكد صدق الله تعالى: (أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)، ولو قام العلماء بتطبيق هذه التجارب على حيوانات أخرى لوجدوا نفس النتائج، لأن الخالق واحد عز وجل، وبالتالي سوف يرون مظاهر وحدانية الخالق تتجلى في كل شيء، من الذرة وحتى المجرة.
مورثات اللغة موجودة لدى الإنسان فقط
يقول باحثون إنهم ربما وضعوا أيديهم على أول المورثات التي منحت الإنسان تفوقه على باقي الحيوانات، المتمثل في القدرة على الكلام، وهو مورث لا يختلف إلا بنسبة بسيطة عن شبيهه في القرد والفأر. ويشيرون إلى أن إحداث تغييرات قليلة لكن رئيسية في مورث واحد ربما يساعد على تفسير لماذا يستطيع الإنسان الكلام بينما تعجز عنه القردة والفئران. ويضيف الباحثون وهم من ألمانيا وبريطانيا، أن المورث، الذي يعرف علميا باسم فوكسب/ 2 مسؤول في الظاهر عن حركات الوجه والفكين اللازمة والضرورية للكلام. ويؤكدون أن تعلم الكلام خاصية إنسانية ينفرد بها الإنسان عن بقية المخلوقات!
وهنا أود أن أقف لأقول إن القرآن تناول هذه القضية وحدد لنا أن الإنسان هو الوحيد القادر على الكلام، ومنذ بداية خلقه، يقول عز وجل في قصة سيدنا آدم عليه السلام: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]. فهذه الآية تشير إلى أن الله تعالى أودع في خلق سيدنا آدم القدرة على تعلم الأسماء والنطق بها، وبشكل يميزه عن جميع المخلوقات التي لم تكن تتمتع بهذه الصفة، وهذا ما أثار استغراب الملائكة!
وفي كتاب الله تعالى نلاحظ أن النمل لديه القدرة على الكلام أيضاً، ولكن بشكل يختلف عن البشر، ولا يدركه البشر، ولكن الله أعطى سيدنا سليمان القدرة على فهم وسماع كلام النمل. ولكن عالم النمل يختلف عن عالم البشر في أنه “مبرمج” ليقوم بأداء مهامه، بينما الإنسان أعطاه الله الاختيار، وميزه بالعلم والبيان والإبداع، يقول تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1-4].
ويذكر الباحثون في مقتطف الدراسة الذي نشر في مجلة الطبيعة، أن ما أثار دهشتهم هو أن المورث الموجود في الإنسان شبيه ببعض المورثات الموجودة في حيوانات معينة من الفئران وحتى قرود الشمبانزي! أي أن هناك تشابهاً بين المخلوقات وبين الإنسان، وكل هذه الحقائق هي دليل مادي ملموس أن عملية الخلق لا تتم بفعل التطور، ولكن بفعل برنامج إلهي محكم، والله تعالى في كل لحظة يتحكم بمخلوقاته، ولا يغيب عنه شيء.
يؤكد البروفسور فولفغانغ اينهارد عالم الجينات في معهد ماكس بلانك لعلوم نشوء وتطور الأجناس في مدينة لايبزغ الألمانية، أن هذا المورث ليس بالضرورة هو المسؤول عن جعل الكلام ممكناً، بل هو واحد من العديد من المورثات المسؤولة عن اللغة والكلام، التي تعتبر علمياً قدرات معقدة. وإذا لم يكن لدى الإنسان سوى نسخة واحدة لعمل الوظائف فستكون هناك مشاكل في اللغة وفي حركات الوجه، لكن مع ذلك هناك إشارات إلى أهمية هذا المورث، إذ لاحظ بحث نشر العام الماضي أن الناس الذين ممن لا يملكون نسختين عاديتين من المورث يجدون صعوبة واضحة في الكلام. وهؤلاء لا يقعون فقط في الأخطاء النحوية، بل يجدون صعوبة في النطق بصورة واضحة وصحيحة.
هذا خلقُ الله
صدرت الكثير من الأبحاث حول ما سمّي الاستنساخ، وهو محاولة لخلق أجنة بشرية تشبه أمها، ومن دون أب، أي الخلية تؤخذ من الأم وتُعالج في المخبر، وتُزرع في رحم هذه الأم، وقد نجحت بعض التجارب على حيوانات محددة، ومعظمها جاء مشوهاً وعمره قصير. ولكن اليوم يعترف الباحثون بفشل مثل هذه التجارب واستحالة تطبيقها على الإنسان.
فقد أعلن العلماء في الولايات المتحدة أن مئات المحاولات لاستنساخ القردة باءت بالفشل. ويعتقد العلماء أن التكوين البيولوجي للبويضات لدى الرئيسيات ومن ضمنها البشر يجعل عملية الاستنساخ أمراً مستحيلاً. وعلى الرغم من النجاح الذي حقَّقه استنساخ العديد من الثدييات ومن ضمنها النعاج والفئران والماشية، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن ذلك لا ينطبق على جميع الفصائل. وأضفى البحث الذي ورد في مجلة العلوم مزيداً من الشكوك على جهود نخبة من العلماء المتخصصين في الاستنساخ البشري. وكانت شركة كلونايد التي كونتها طائفة الرائيليين قد زعمت بالفعل استنساخ عدة أطفال، غير أنها لم تقدم أي دليل يؤكد تلك المزاعم. وفي الوقت نفسه نشر بانايوتيس زافوس العالم التناسلي المثير للجدل صورة لما ادعى أنه “أول جنين مستنسخ لأغراض التناسل.”
ويوافق أغلبية العلماء على أن محاولات استنساخ طفل عملية خطيرة ومضلّلة. وقد ولَّدت الكثير من الحيوانات المستنسخة وهي مريضة أو مشوهة كما تقلّ نسبة نجاح عمليات الولادة. واستخدم العلماء في كلية الطب بجامعة بيتسبيرج الطريقة التي استخدمت في استنساخ النعجة دوللي في محاولة لاستنساخ أنواع من القرود، غير أنهم فشلوا في تكوين حالة حمل واحدة من بين مئات المحاولات. كما حاولت جماعات أخرى وفشلت في استنساخ القرود.
يبدو أن العقبة تتمثل في شيء ما يتعلق بطريقة توزيع المادة الجينية حيث تنقسم الخلية إلى شطرين خلال عملية التطور الجنيني. وتنتهي الخلايا بوجود كميات كبيرة جداً أو قليلة جداً من الحمض النووي ولا يمكنها البقاء، وهو الأمر الذي يقترح أن محاولات استنساخ الرئيسيات ومن ضمنها البشر ستبوء بالفشل. وقال الدكتور جيرالد تشاتن قائد الفريق العلمي: إن مثل هذه الدراسات تؤكد بأن “الدجالين” الذين زعموا استنساخ البشر لم يفهموا بشكل كاف الخلية أو التطور البيولوجي كي ينجحوا.
وهنا أتوقف مع آية عظيمة حدثنا فيها رب العزة تبارك وتعالى عن عظمة خلْقه: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11]. وهناك آية أخرى تقارن بين خلق الله وبين ما يصنعه المشككون: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]. فالمهمة التي اقتصر عليها العلماء هي تحويل الخلق من شكل لآخر، أو تغيير خلق الله، ولكنهم عاجزون عن خلق ذرة واحدة من العدم.
ويؤكد القرآن أن كل هذه المحاولات هي من وحي الشيطان ليضل الناس، والبلايين التي تُنفق على مثل هذه الأبحاث لو تمت الاستفادة منها في إطعام الفقراء وتحسين حياة البشر لكان أفضل بكثير، يقول تعالى مخاطباً هؤلاء الملحدين ومتحدثاً عن مصيرهم وعن أفعالهم الشيطانية في تغيير خلق الله: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا) [النساء: 117-121].
وأخيراً لا ننسى أن الله تعالى كرَّمنا على هذه المخلوقات فقال: ًا(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيل) [الإسراء: 70]. ولكن الإنسان عندما ينكر وجود الخالق ويعصي الله ويجحد بنعمته، فإنه سيهبط إلى ما دون مستوى هذه الحيوانات، بل إن القرود ستكون أعقل منه، يقول تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
ــــــــــــ
مصدر الصور: National Geographic
مصادر المعلومات لهذه المقالة:
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_3562000/3562289.stm
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_3127000/3127606.stm
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_7798000/7798833.stmد
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_2194000/2194705.stm
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_2938000/2938255.stm