القرآن

تصنيف آيات القرآن

 

نستطيع أن نصنف آيات القرآن المتعلقة بهذا الجانب إلى نوعين:

 

الأول: ما عرف عنه الإنسان ـ حتى ذلك العصر ـ أمورًا جانبية وسطحية.

الثاني: ما لم يعرف عنه ذلك الإنسان شيئًا مطلقًا.

إن هناك أشياء كثيرة كان الأقدمون يعرفون عنها بعض المعارف الجزئية، وكانت معرفتهم هذه ناقصة جدًّا بالنسبة إلى المعرفة التي أتيحت للإنسان اليوم، بفضل الاختراعات الحديثة. وقد واجه القرآن في هذا الصدد مشكلة كبرى، فهو لم يكن كتابًا في العلوم والهندسة، ولذلك لو أنه كان بدأ يكشف عن أسرار الطبيعة لاختلف الناس فيما بينهم حول ما جاء في القرآن، ولاستحال عندئذٍ بلوغ الهدف الحقيقي من نزول القرآن، وهو إصلاح العقل الإنساني وتزكيته. فمن إعجاز القرآن أنه تكلم في لغة العلم، قبل كشفه، كما أنه استعمل كلمات وتعبيرات لم تستوحشها أذواق الأقدمين ولا معارفهم، على حين أحاطت بكشوف العصر الحديث!

 

• النوع الأول:

ذكر القرآن الكريم قانونًا خاصًّا بالماء في سورتين: هما الفرقان والرحمن.

جاء في السورة الأولى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً} (الفرقان: 53).

وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فنصُّها: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} (الرحمن:19 ـ 20).

إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور؛ وهي أنه إذا ما التقى نهران في مَمَرٍّ مائي واحد فماء أحدهما لا يدخل (أي لا يذوب) في الآخر. وهناك، على سبيل المثال، نهران يسيران في “تشانغام” بباكستان الشرقية إلى مدينة “أركان”، في “بورما”، ويمكن مشاهدة النهرين، مستقلاً أحدهما عن الآخر، ويبدو أن خيطًا يمر بينهما، حدًّا فاصلاً؛ والماء عذب في جانب، وملح في جانب آخر. وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل، فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث “المد البحري”، ولكنهما لا يختلطان، ويبقى الماء عذبًا تحت الماء الأجاج، هذا ما يُشَاهَد عند ملتقى نهري الكنج والجامونا، في مدينة “الله آباد”، فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما.

وجاءت في القرآن بيانات مماثلة، وعلى سبيل المثال:{اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} (الرعد:2) هذه الآية مطابقة لما كان يراه الرجل القديم؛ فإنه كان يشاهد عالَمًا كبيرًا قائمًا بذاته في الفضاء، مكونًّا من الشمس والقمر والنجوم، ولكنه لم يَرَ لها أي ساريات أو أعمدة، والرجل الجديد يجد في هذه الآية تفسيرًا لمشاهدته التي تثبت أن الأجرام السماوية قائمة دون عمد في الفضاء اللانهائي، بيد أن هنالك “عمدًا غير مرئية”؛ تتمثل في قانون “الجاذبية” Gravitation Pull؛ وهي التي تساعد كل هذه الأجرام على البقاء في أمكنتها المحددة.

وقد قال القرآن عن الشمس والنجوم:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40). وكان الإنسان في العصر الغابر يشاهد أن النجوم تتحرك وتبتعد عن أمكنتها بعد وقت معين. ولذلك لم يكن هذا التعبير القرآني موضع دهشتهم واستغرابهم، ولكن البحوث الحديثة قد خلعت على هذه التعبيرات ثوبًا جديدًا؛ فليس هنالك تعبير أروع ولا أدق من “السباحة” لدوران الأجرام السماوية في الفضاء البسيط اللطيف!

وقال القرآن الكريم عن الليل والنهار: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} (الأعراف: 54) إن هذه الآية الكريمة تشرح للإنسان القديم سر مجيء الليل بعد النهار. ولكنها تحوي إشارة رائعة إلى دوران الأرض محوريًّا، وهو الدوران الذي يعتبر سبب مجيء الليل والنهار، طبقًا لمعلوماتنا الحديثة.

و من بين المشاهدات التي أدلى بها رجل الفضاء الروسي “جاجارين” بعد دورانه في الفضاء حول الأرض: أنه شاهد “تعاقبًا سريعًا“Rapid Succession للظلام والنور على سطح الأرض بسبب دورانها المحوري حول الشمس. وهناك بيانات كثيرة جدًّا من هذا القبيل في القرآن الكريم.

 

• النوع الثاني من الآيات:

وأما النوع الثاني من الآيات القرآنية المتعلقة بالموضوع، فلم يعرف عنها الرجل القديم شيئًا على الإطلاق، وقد تناول القرآن تلك الموضوعات، كاشفًا الغطاء عن أسرار بالغة الأهمية ثبت صدقها بعد الدراسات الحديثة، وسوف أعرض بعض الأمثلة من مختلف فروع العلوم الحديثة.

• أولاً: علم الفلك:

يطرح القرآن الكريم فكرة معينة ومُحَدَّدة المعالم حول بداية الكون المادي ونهايته، وكانت هذه الفكرة غير معروفة لدى الإنسان الجديد قبل قرن من الزمان. أما الإنسان القديم فلا مجال للقول بأنه كان من الممكن أن يتطرق عقله الصغير إلى هذه الفكرة أو أجزائها، وجاء العلم الجديد ليشهد على ما جاء في القرآن الكريم.

يعبر القرآن عن بداية الكون على النحو التالي:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} (الأنبياء:30)، أما عن نهاية الكون فهو يقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (الأنبياء:104).

فالكون ـ بناءً على تفسير هذه الآيات ـ كان منضمًّا ومتماسكًا (الرتق: منضم الأجزاء، والفتق عكسه)، ثم بدأ يتمدد في الفضاء، ويمكن رغم هذا التمدد تجميعه مرة أخرى في حيز صغير.

وهذه هي الفكرة العلمية الجديدة عن الكون؛ فقد توصل العلماء خلال أبحاثهم ومشاهداتهم لمظاهر الكون، إلى أن المادة كانت جامدة وساكنة في أول الأمر، وكانت في صورة غاز ساخن كثيف متماسك. وقد حدث انفجار شديد في هذه المادة منذ عشرة مليارات من السنين على أقل تقدير، فبدأت المادة تتمدد وتتباعد أطرافها.

ونتيجة لهذا أصبح تحرك المادة أمرًا حتميًّا لا بد من استمراره طبقًا لقوانين الطبيعة التي تقول: إن قوة الجاذبية في هذه الأجزاء من المادة تقل تدريجيًّا بسبب تباعدها، ومن ثم تتسع المسافة بينها بصورة ملحوظة، وفى هذا يقول البروفيسور “إدنجتون”:

“إن مثال النجوم والمجرات: كنقوش مطبوعة على سطح بالون من المطاط، وهو ينتفخ باستمرار، وهكذا تتباعد جميع الكرات الفضائية عن أخواتها بحركاتها الذاتية، في عملية التوسع الكوني”.

وأما الأمر الآخر، فقد ثبت لنا صدقه، كما ورد في القرآن، فكان الإنسان القديم يرى أن النجوم يبتعد بعضها عن بعض رأي العين، ولكننا نراها متقاربة لبعدها الهائل عن الأرض، وهي في حقيقة الأمر متباعدة بمسافات قياسية.

وقد عرفنا أن كل جسم مادي يدور حول نظام له، مثل النظام الشمسي الذي تدور حوله نجوم ومسارات كثيرة، ومن أمثلته نظام الذرة فنحن نشاهد الفضاء الخالى في النظام الشمسي، ولكننا نعجز عن مشاهدة فضاء النظام النووي، لصغر حجمه المتناهي حتى إنه يستحيل مجرد مشاهدة هذا النظام، ومعنى ذلك أن كل شيء – حتى لو بدا متماسكًا ـ يحوي حيزًا من الفضاء في داخله، ومثاله: أننا لو جردنا الفضاء أو المكان Space من الذرات المادية في الجسم الإنساني ذات الستة الأمتار، فلن نجد إلا كمية قليلة جدًّا من المادة، تكاد تكون متناهية الوجود.

وهكذا يرى علماء الطبيعة الفلكية (Physicists ـ Astro) أننا لو طوينا كل شيء في الكون بدون أن نترك للفضاء مكانًا، فسيكون حجم الكون كله ثلاثين ضعفًا من حجم الشمس!! ويمكن قياس سعة الكون من أن أبعد مجرة استطاع الإنسان الكشف عنها تبعد بضعة ملايين من السنين الضوئية عن النظام الشمسي.

لقد توصل العلماء، خلال أبحاثهم، إلى أنه لا بد في المستقبل القريب ـ وطبقًا لقانون دوران الأجرام السماوية ـ أن يقترب القمر من الأرض حتى ينشق من شدة الجاذبية، وتتناثر أجزاؤه في الفضاء. وسوف تحدث عملية انشقاق القمر هذه بناء على نفس القانون الذي يحكم المد والجزر في البحار. فالقمر هو أقرب جيراننا في الفضاء، ولا يبعد عن الأرض غير 240.000 ميل، وهذا القرب يؤثر على البحار مرتين يوميًّا، حيث ترتفع فيها أحيانًا أمواج يبلغ طولها ستين مترا، وأما تأثير هذه الجاذبية على سطح الأرض فيبلغ عدة بوصات!!

إن المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر مناسبة تمامًا لصالح أهل الأرض، ولو نقص هذا الفاصل إلى خمسين ألفًا من الأميال ـ على سبيل المثال ـ فسوف يحدث طوفان شديد في البحار، وسوف تغطي أمواجها أكثر مناطق الأرض المأهولة، وسوف يغرق كل شيء، حتى لتتحطم الجبال من شدة تموج البحار، وسوف تحدث شقوق مروعة على سطح الأرض من وطأة الجاذبية!!

ويرى علماء الفلك أيضًا أن الأرض قد مرت بكل هذه الأطوار أثناء عملية التكوين، حتى وصلت إلى بعدها الحالي من القمر، بناء على قانون الفلك، وهذا القانون نفسه سوف يأتي بالقمر قريبًا من الأرض مرة أخرى، ويرون أن من المتوقع حدوث هذا قبل بليون سنة، وعندئذ سوف ينشق القمر، وسوف يتناثر حول فضاء الأرض في صورة حلقة.

أليست هذه النظرية من أعظم موافقات العلم لتلك النبوءة الواردة في القرآن الكريم، حول انشقاق القمر، حين تقترب القيامة.

اقرأ قوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (القمر:1ـ 2).

 

• ثانيًا: علم طبقات الأرض:

1) جاء في القرآن الكريم، غير مرة، أن الجبال أرسيت في الأرض حفاظًا على توازنها، من ذلك قوله تعالى

{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} (لقمان: 10). ولقد ظل العلم جاهلاً بهذه الحقيقة طوال القرون الثلاثة عشر الماضية، ولكن دارسي الجغرافيا الحديثة يعرفونها جيدًا تحت اسم “قانون التوازن” Isostasy . ولا يزال العلم الحديث في مراحله البدائية بالنسبة إلى أسرار هذا القانون، يقول الأستاذ “إنجلن”:

“من المفهوم الآن أن المادة ـ الأقل وزنًا ـ ارتفعت على سطح الأرض، على حين أصبحت أمكنة المادة الثقيلة خنادق هاوية، وهي التي نراها الآن في شكل البحار، وهكذا استطاع الارتفاع والانخفاض أن يحافظا على توازن الأرض.

ويقول عالم آخر من باحثي الجغرافيا:

“وفي البحار أيضًا توجد وديان مثل وديان البر. ولكن وديان البحر أكثر غورًا وأبعد عمقًا من تلك التي توجد في البر، كما أنها بعيدة عن المجال التجريبي للإنسان. ويبدو أنه قد حدثت مغارات عميقة في البحار، ويبلغ عمق بعض هذه الوديان 35 ألف قدم عن سطح البحر، وهذا العمق أعلى من أعظم جبال العالم ارتفاعًا. ويبلغ من عمق هذه الوديان البحرية أحيانا أنه لو وضعت فيها قمة “إيفرست” من سلسلة جبال “الهملايا” التي يبلغ طولها 29.002 قدم، فسيكون سطح البحر فوقها بمسافة ميل كامل”.

ومن الظواهر المحيِّرة أن هذه الخنادق البحرية توجد قرب السواحل البرية بدل أن توجد في أعالي البحار. ومن ذا يستطيع أن يعلم قدر ذلكم الضغط الهائل الذي أحدث هذه المغارات السحيقة في قاع البحار. ولكن قرب هذه الوديان من الجزر والبراكين يدل على أن هناك علاقة بين طول الجبال والخنادق البحرية.. وهو أن الأرض يقوم توازنها على أساس الارتفاع والعمق (في أجزائها المختلفة). ويرى بعض كبار علماء الجغرافيا أنه من الممكن أن تكون الأغوار البحرية علامات على جزر قد تظهر في المستقبل. وسببه أن الرواسب والمخلفات لكل من البر والبحر تترسب في هذه الوديان، وقد سويت مناطق كبيرة من هذه الوديان بعد أن ملأتها هذه الرواسب. ولهذا من الممكن ـ بناء على عدم التوازن الذي يحدث عن هذه العملية ـ أن تبرز جبال جديدة في أي وقت، أو تظهر سلسلة جديدة من الجزر، ومما يؤكد ذلك أنه قد وجدت آثار الرواسب البحرية في بعض الجبال الساحلية.

وعلى كل حال، لا توجد نظرية ـ في ضوء المعلومات الحالية للإنسان ـ لتقوم بتفسير ضغط قدره سبعة أطنان على كل بوصة ـ لا زال ذلك كله لغزًا أمام الإنسان، كألغاز البحر الأخرى”.

2) وقد جاء في القرآن الكريم أنه قد مضى على الأرض زمن طويل سواها الله خلاله، قال تعالى:{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا} (النازعات:30 ـ 31)، وهذه الآية الكريمة تطابق مطابقة عجيبة أحدث الكشوف العلمية، وهو “نظرية تباعد القارات” أو انتشارها (Theory of Drifting continents) فنرى فى هذه النظرية أن جميع القارات كانت في وقت ما أجزاء متصلة، ثم انشقت وبدأت “تتقذف” أو تنتشر من تلقاء نفسها، وهكذا وجدت قارات تَحُولُ دونها بحار واسعة.

وقد طرحت هذه النظرية في العالم عام 1915م، لأول مرة، حين أعلن خبير طبقات الأرض الألماني الأستاذ “ألفريد واجنر” أنه لو قُرِّبت القارات جميعًا، فسوف تتماسك ببعضها كما يحدث في ألعاب الألغاز التي تسمى

Jigsaw puzzle.

وهناك شبه كبير يوجد على سواحل البحار المختلفة، كأن نجد جبالاً متماثلة عمرها الأرضي واحد، وكأن نجد فيها دواب وأسماكًا ونباتات متماثلة أيضا! وهذا هو ما دفع عالم النباتات البروفيسور “رونالد جود“Ronald Good في كتابه: جغرافية نباتات الزهور (Geography of Flowering Plants) إلى أن يقول:

“لقد اتفق علماء النباتات على النظرية القائلة بأنه لا يمكن تفسير ظاهرة وجود نباتات متماثلة في مختلف قارات العالم إلا إذا سلَّمنا بأن أجزاء الأرض هذه كانت متصلة بعضها ببعض في وقت من الأوقات”.

وقد أصبحت هذه النظرية علمية تمامًا بعد تصديق “الجاذبية الحجرية” (Fossil Magnetism) لها؛ فإن العلماء اليوم ـ بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة ـ يستطيعون تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة تلك الحجارة في الزمن القديم، وقد أكدت هذه الدارسة في الجاذبية الأرضية أن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في القديم بالأمكنة التي توجد بها اليوم، وإنما كانت في ذلك المكان الذي تحدده نظرية تباعد القارات، وفي هذا الأمر يقول البروفيسور “بلاكيت”:

“إن دراسة أحجار الهند تبين أنها كانت توجد في جنوب خط الاستواء قبل سبعين مليون سنة، وهكذا تثبت دراسة جبال جنوب أفريقيا أن القارة الإفريقية انشقت عن القطب الجنوبي قبل ثلاثمائة مليون سنة”.

لقد ورد في الآية المذكورة آنفًا لفظة “الدحو” ومعناه تسوية الشيء ونثره، كما يقال: دحا المطر الحصى عن وجه الأرض، وهذا هو نفس مفهوم الكلمة الإنجليزية “Drift” التي استخدمت في التعبير عن النظرية الجغرافية الحديثة.

لسنا نملك أمام هذا التوافق المدهش بين ما ورد في الماضي البعيد، وما اكتشف بالأمس القريب ـ إلا أن نؤمن بأن هذا الكلام صادر عن موجود يحيط علمه بالماضي، والحال، والمستقبل، على السواء.


• ثالثًا: علم الأغذية:

إن قائمة الأغذية التي يقرِّرها لنا القرآن الكريم تُحرِّم الدم وكان الإنسان غافلاً عن أهمية هذا التحريم، ولكن التحليلات التي أجريت للدم قد أكدت أن هذا القانون كان مبنيًّا على أهمية خاصة بالنسبة إلى الصحة. فالتحليل يثبت أن الدم يحتوي كمية كبيرة من حمض البوليكUric Acid وهو مادة سامة تضر بالصحة لو استعملت غذاء. وهذا هو السر في الطريقة الخاصة التي أمر بها القرآن في ذبح الحيوانات. والمراد من “الذبح” في المصطلح الإسلامي هو الذبح بطريقة معينة حتى يخرج سائر الدم من جسم الحيوان، وهي أن نقطع الوريد الرئيسي الذي يوجد في العنق فقط، وأن نمتنع عن قطع الأوردة الأخرى، حتى يمكن استمرار علاقة المخ بالقلب إلى أن يموت الحيوان، لكيلا يكون سبب الموت الصدمة العنيفة التي وجهت إلى أحد أعضاء الحيوان الرئيسية كالدماغ، أو القلب، أو الكبد. والمقصود من هذا هو أن الدماء تتجمد في العروق، وتسري إلى أجزاء الجسم لو مات الحيوان في الحال ـ على إثر صدمة عنيفة ـ وهكذا يتسمَّم اللحم كله، نتيجة سريان حمض البوليك في أنحائه.

ولقد حرم القرآن لحم الخنزير ولم يعرف الإنسان في الماضي شيئًا عن أسرار هذا التحريم، ولكنه يعرف اليوم أن لحم الخنزير يسبب أمراضًا كثيرة؛ لأنه يحتوي أكبر كمية من حمض البوليك بين سائر الحيوانات على ظهر الأرض، أما الحيوانات الأخرى غير الخنزير، فهي تفرز هذه المادة بصفة مستمرة عن طريق البول، وجسم الإنسان يفرز 90% من هذه المادة بمساعدة الكليتين. ولكن الخنزير لا يتمكن من إخراج حمض البوليك إلا بنسبة اثنين في المائة (2%) والكمية الباقية تصبح جزءًا من لحمه، ولذلك يشكو الخنزير من آلام المفاصل، والذين يأكلون لحمه هم الآخرون. يشكون من آلام المفاصل والروماتيزم، وما إلى ذلك من الأمراض المماثلة.

ومن وجوه الإعجاز العلمى الباهر فى القرآن الكريم تلك الواقعة التى رواها العالم الهندي المغفور له الدكتور “عناية الله المشرق”، وهو يقول:

“كان ذلك يوم أحد من أيام سنة 1909م، وكانت السماء تمطر بغزارة، وخرجت من بيتي لقضاء حاجة ما، فإذا بي أرى الفلكي المشهور جيمس جينز ـ الأستاذ بجامعة كمبردج ـ ذاهبًا إلى الكنيسة، والإنجيل والشمسية تحت إبطه، فدنوت منه وسلمت عليه، فلم يرد عليَّ، فسلمت عليه مرة أخرى، فسألني: ماذا تريد مني؟ فقلت له: أمرين، يا سيدي! الأول هو: أن شمسيتك تحت إبطك رغم شدة المطر! فابتسم السير “جيمس” وفتح شمسيته على الفور، فقلت له: وأما الأمر الآخر فهو: ما الذي يدفع رجلاً ذائع الصيت في العالم ـ مثلك ـ أن يتوجه إلى الكنيسة؟ وأمام هذا السؤال توقف السير “جيمس” لحظة، ثم قال: عليك اليوم أن تأخذ شاي المساء عندي. وعندما وصلت إلى داره في المساء، خرجت “ليدي جيمس” في تمام الساعة الرابعة بالضبط، وأخبرتني أن السير “جيمس” ينتظرنى، وعندما دخلت عليه في غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعة عليها أدوات الشاي، وكان البروفيسور منهمكًا في أفكاره، وعندما شعر بوجودي سألني: ماذا كان سؤالك؟ ودون أن ينتظر ردي بدأ يلقي محاضرة عن تكوين الأجرام السماوية، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها اللامتناهية، وطرقها ومداراتها، وجاذبيتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتى إنني شعرت بقلبي يهتز بهيبة الله وجلاله، وأما “السير جيمس” فوجدت شعر رأسه قائمًا، والدموع تنهمر من عينيه، ويداه ترتعدان من خشية الله، وتوقف فجأة، ثم بدأ يقول: يا عناية الله! عندما ألقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهي، وعندما أركع أمام الله وأقول له: إنك لعظيم! أجد أن كل جزء من كياني يؤيدني في هذا الدعاء. وأشعر بسكون وسعادة عظيمين، وأُحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة، أفهمت يا عناية الله، لماذا أذهب إلى الكنيسة؟

ويضيف العلاَّمة عناية الله قائلاً: لقد أحدثت هذه المحاضرة طوفانا في عقلي، وقلت له: يا سيدي لقد تأثرت جدًّا بالتفاصيل العلمية التي رويتموها لي، وتذكرت بهذه المناسبة آية من آي كتابي المقدس، فلو سمحتم لي لقرأتها عليكم. فهز رأسه قائلاً: بكل سرور، فقرأت عليه الآية التالية:{وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 27 ـ 28).

فصرخ السير “جيمس” قائلاً:

ماذا قلت؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء؟! مدهش، وغريب وعجيب جدًّا! إنه الأمر الذي كشفت عنه دراسة ومشاهدة استمرت خمسين سنة، مَنْ أنبأ محمدًا به؟ هل هذه الآية موجودة في القرآن حقيقة؟ لو كان الأمر كذلك فاكتب شهادة مني أن القرآن كتاب موحى من عند الله.

ويستطرد السير “جيمس جينز” قائلاً: لقد كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم أميًّا، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السر بنفسه، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي أخبره بهذا السر، مدهش وغريب وعجيب جدًّا!! 1.

 

*****************************

 

(1) سنريهم آياتنا في الآفاق: الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان، مراجعة وتحقيق: د. عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، 1422هـ، 2001م، ص 140ـ 153.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى