العدل قبل الإحسان
يقول الله: إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.. فبدأ سبحانه بالعدل، كأنّه يقول لنا: قبل أن تتصدّقوا على شخص، وقبل أن تحسنوا إلى شخص، أعطوه حقّه، فالعدل حقوق والإحسان نافلة وتبرع وتطوع.
ومن هنا وقبل أن نطلب من بعضنا أن نتصدّق على بعضنا، علينا أن نطالب بحقوقنا، والمطالبة بالحقوق شيء مهمّ.
طبعا نحن ضدّ أن يتحوّل الأشخاص إلى مطالبين بالحقوق، ومهملين للواجبات، ولكن أن يسكت الناس عن حقوقهم فهذا مدعاة إلى تضييع تلك الحقوق، كمن يترك نوافذ منزله مكسورة، أو يترك باب منزله مفتوحاً، فهو يشجّع اللصوص على سرقته.
العدل له ميدان فسيح وواسع، فهناك عدل مع النفس، ومع الأهل، ومع الأصدقاء..، وهناك عدل مطلوب من الحكومات، وعدل بين الأجيال والمناطق.
بعض شرّاح الحديث فسّروا النهي عن أن ينام الإنسان نصفه في الظلّ، ونصفه الآخر في الشمس، وأن يمشي منتعلاً بقدم، والأخرى بلا نعل، بأنّ السبب العدل بين الأعضاء، فإذا كانت الشمس خيراً للجسم، فينبغي أن يظفر الجسم كلّه بالشمس، وإذا كان الانتعال خيراً للقدمين فينبغي أن تظفر به كلتا القدمين.
العدل أيضاً مع الأهل كما قال عليه الصلاة والسلام: (فإنّ لنفسك عليك حقّاً، ولربّك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً)، والعدل إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.
هناك أيضاً عدل بين الأجيال، فليس من حقّ جيل من الأجيال أن يستخرج ثروات الأرض ويستمتع بها، ويبذر في إنفاقها، ويترك المخلّفات السّامّة للجيل الذي بعده، فيأتي هذا الجيل فلا يجد شيئاً من الخيرات، ولا يجد غير السموم، والنفايات النوويّة والصناعيّة، والأنهار التي لوّثت، المياه العذبة التي لوثّت..، هذا من الظلم.
أيضاً العدل بين المناطق، فلا يجوز أن تتركّز التنمية والخير والرفاهية في العاصمة وفي المدن الكبرى، وتترك القرى والأرياف لمصيرها الصعب، من غير غوث وتنمية وصناعة.
العدل كما قلت ميدانه فسيح وتطبيقاته كثيرة، ولن تفلح أمّة أبداً لا يصل فيها النّاس إلى حقوقهم بسهولة.
كلّ النظم والقوانين ومفردات الثقافة، وكلّ مفردات التربية يجب أن تركّز على هذا المعنى، لك حقوق، نعم لك ذلك، وهي واجبات على مواطن آخر، ولذلك المواطن حقوق هي واجبات عليك، نتبادل الحقوق ونتبادل الواجبات، طالبْ بحقّك، ولكن أدِّ واجبَكَ، وهذا الواجب الذي تؤدّيه هو عبارة عن تسديد لحقّ مملوك، ومستحقّ لأناس آخرين.
المصدر:الكلم الطيب