القرآن في مواجهة الإلحاد
ما إن انفض حمزة هداه الله عن مكان قضاء حاجته حتى تبعثرت الأوراق ، وكان منها نذارة عريان أن الحقوا الشباب قبل أن يجرفهم سيل الإلحاد : ناقشوهم …. أزيلوا شبههم … ونحو ذلك من المطالبات ، وسأذكر الطريقة المثلى في حوار هؤلاء ولكن قبل سردها أظن أن التقديم بمقدمتين أمر مهم :
المقدمة الأولى : تبحث عن التساؤل عمن وراء الأكمة ومن فتح هذا الباب للشباب ومن أغراهم بالسباحة في بحيرات كتب الفلسفة والمنطق بلا مناطيد ، لا يمكن لأحد أن يتهم علماء الإسلام بهذا وأن يحملهم جريرة ما حدث فهم لا يتدارسونها فضلا عن أن يدعوا غيرهم إليها ، ومن حملهم مسؤولية الإرهاب أمس والغلو ثم يحملهم مسؤولية التفلت اليوم لا يدري ماذا يخرج من رأسه.
من هو إذاً ؟ ما هو إلا بعض عناصر التيار التنويري الذي مثل القنطرة في تحالف لوجستي ومعنوي ومادي مع الليبرالي الذي فتح له قلبه وشبكاته ومعارض كتبه ليجدف بعدها بما يشاء ، وهذه شعرة أحدهم http://minus.com/mG5uMG3cs#36o ، ومما يؤكد ذلك تعاطيهم البارد مع قضية الساب.
وكما واجهت الدولة بالأمس خلايا الإرهاب ومنابعه ومغذيه فإن مواجهة هذه الخلايا أولى ؛ إذ غاية ما تذهبه الخلايا الأولى الأرواح وأما هؤلاء فيذهبون بديانة الناس ويشككونهم في نبيهم وربهم.
أما كيف غرروا بالشباب ؟ فمن خلال أمور :
1- دلالة الشباب على موارد التيه والشك بحجة القراءة الحرة والتحرر عن سلطة النصوص وعن فهم الغير ، تجد هذا في كتاباتهم ومكتباتهم ومنتدياتهم وجسورهم ، وقد رتبها المقسطون تجهيزا لمحاكمتهم.
2- ومن جهة أخرى يتحمل هذا التيار هذه الميول الجديدة بصرف الشباب عن الهدي الأول ، وتزهيدهم في علم الشريعة وطريقة أهلها بل يصل في كثير من الأحيان إلى السخرية بهم وبعلومهم ووصمها بعلوم الحيض والنفاس ونحو ذلك من العبارات المنفرة .
3- تركيز الحديث عن الحريات وفيها حق لكنهم يتذرعون بها إلى مآلات باطلة فينتقلون من الحديث عنها إلى رفض الوصاية على العقول والألسنة ثم يستخدمون المظالم لتبرير ما يجدفون به فيبدؤون بالأفراد ثم السلطة الدينية ثم السلطة السياسية ثم النصوص الشرعية ثم ترتقي بل تتحدر بهم حريتهم إلى الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ينتهي بهم المطاف إلى التشكيك في الذات الإلهية.
المقدمة الثانية : الشاب لا يتعاطى مع شبه الإلحاد ويستأنس لها ولأهلها ويسترسل معها إلا بعد أن يضع عامة رجال أمته تحت قدميه ويحقرهم ويستهزئ بهم ويصحب ذلك بلسان حاله أو قيله بتزكية موارده الغربية وتزكية نفسه ، فيحلق بها على ارتفاعات شاهقة يبدو له غيره على هيئة الذر ، هذه الخطوة هي أول خطوات الإلحاد أن يميز نفسه عن كثير من بني آدم ويعتقد في نفسه ذكاء مفرطا لا يتأهل بنو جلدته إلى فهمه فضلا عن التعاطي معه ، فإذا أوهم نفسه بذلك ونفخ فيه الرفاق وصدّق نفسه لكثرة مطالعته بدأ يجدف ويهرف.
وبعد أيضا :
فإن الشباب هم عدة أمتنا وليس لنا أن نتخلى عنهم لكن كيف يتم ذلك ؟ هل تفتح لهم الأبواب ويسترسل معهم في الإشكاليات ونجعلهم كالمعادلات الرياضية المشفرة التي لا تحل إلا بالطرق الملتوية ؟ كلا فالأمر أسهل من ذلك ، لأن الهداية محلها القلوب ، والتدين والهداية ليسا خاصاين بالأذكياء ، ولذا فإني أحذر من فتح المجال للشباب لقراءات فلسفية عقلية بحجة التسلح والرد على شبه الإلحاد ودعوة أهلها فهذا باب شر عظيم ، بل الواجب سلوك مسلك الأنبياء عليهم السلام وخيرهم وإمامهم رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وفي القرآن والسنة من الحجج الشرعية والعقلية ما يكفي كل أحد لأنها من لدن حكيم عليم يعلم بهؤلاء قبل وجودهم وما يصلحهم.
وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر أن وجد في يده بعض التوراة مع ما قد يكون فيها من كلام الله وقال ” أما والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية” فكيف بغيرها.
ومن تحجج بكتب بعض العلماء ككتاب المنطق لابن تيمية ودرء تعارض العقل والنقل فيقال له ابن تيمية إنما رد عليهم بنصوص الوحي وقذائف الوحي التي لا يقوم أمامها قائم (قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد).
والهداية محلها القلوب وقد أمرنا بسؤالها في كل ركعة ، فعجب ممن يبحث عن الهداية في كتابات نيتشه وهيدجر وسارتر وقد ماتوا في متاهاتهم ويدع طريق محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عنه (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم).
” ومحمد صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالحق وهو أفصح الخلق لسانا وأصحهم بيانا وهو أحرص الخلق على هدى العباد كما قال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } ، وقال { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } وقد أوجب الله عليه البلاغ المبين وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما نزل إليهم فلا بد أن يكون بيانه وخطابه وكلامه أكمل وأتم من بيان غيره”ابن تيمية
“فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس وهو من أعظم ما أقام الله الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب والحمدلله الذي بعث فينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا الذي أنزل الكتاب تفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين { ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }.
وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله وسمعه ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير )“ابن تيمية
ولا تغرنك هرطقاتهم والتواء ألسنتهم فلا ( يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) ، وحججهم متهافتة : { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم } سورة الشورى 16
وقد يجادلونك ويجحدون وقد استيقنت الحق أنفسهم ظلما وعلوا كما قال تعالى :{ يجادلونك في الحق بعد ما تبين } ،ومنه الجدل بالباطل { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } والجدل في آياته كقوله تعالى { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } ، وقوله { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا } ، وقال تعالى { إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه } ، وقوله { ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص }.
بل إنهم يرون البروق ويسمعون الرعود التي تشهد بالوحدانية ومع ذلك فهم ( يجادلون في الله وهو شديد المحال } فعجب لهم.
وكل من لديه شك في هذه الطريقة فأين يقف من قوله تعالى: ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
إن أعسر القضايا التي تعصف بعقول الشباب نظرية الشك وها هو القرآن يتعداها بمراحل ويقطع التفكير حولها فيقول ( أفي الله شك) سؤال استنكاري تذكر نفس الآية الدليل العقلي على افتراض عدم وجوده فتقول ( فاطر السموات والأرض) ثم تنتقل به إلى خطاب إيماني حان (يدعوكم ليغفر لكم).
لقد تحدى القرآن العقل البشري في ذباب ، وإنه لسخف في العقل أن يشتغل بالشك في الله وقد تحداه بأقل من ذلك ، لماذا لا تصرفوا هذه العقول والطاقات للإجابة على هذا التحدي ثم تنطلق إلى ما هو أوسع في السموات والأرض ثم الذات الإلهية تعالى الله عنهم – لماذا لا تشتغل العقول بالذباب فإن عرفت حقيقته وخلقت مثله فهي مؤهلة للنظر فيما هو فوق ذلك (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباب ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) ، أمريكا لا تدعي خلق الذباب ليس ثم إلا الله يقول ذلك فهل من متحد !!!! ويقطع الحجة.
لماذا لا يستثمر هؤلاء ذكاءهم المفرط في علوم منطق الهندسة والرياضيات إن كانوا صادقين ، وإلا يفعلوا فإنما هي سباحة لطلب الشهرة والتميز عن الآخرين ولكنه لا يستطيع أن يحافظ على هذا التميز فمآله مآل كل بشر إلى الموت.
وبعد فأختم بنصيحة للإمام الذهبي بعد ذكر خوض الغزالي في الفلسفة -وأين هؤلاء المحدثين من ذكائه وعلمه وفقه قال : “فالحذارَ الحذارَ من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله، وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق”انتهى.
وإذا لم تحصل لهم الهداية بالقرآن فلا تهلك نفسك عليهم حسرات : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى).
واحمد الله الذي هداك وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله ، ووالله ما بينك وبين أن تمسي مؤمنا في مكة وتصبح كافرا في نيوزلندا إلا أن يتخلى الله عنك (نسوا الله فنسيهم).