اهتداء عالم الاجتماع الإنجليزي حسين روف
يلاحظ المتتبع لحركة انتشار العقيدة الإسلامية، في الدول الأوربية والامريكية، أن نسبة كبيرة من الذين استجابوا لدعوتها في هذه الدول، من علماء الاجتماع، والعاملين في مجالات الإصلاح الاجتماعي وذلك لما تتطلبه الدراسات التي يتناولها أولئك العلماء والمصلحون الاجتماعيون من تعرض دائم للعقائد والمذاهب الاجتماعية، وخاصة من حيث تأثيرها في المجتمعات، وقدرتها على معالجة المشكلات التي تعرض للأفراد والجماعات والإسهم في تخفيف حدثها، والارتقاء بالقيم والسلوكيات الاجتماعية.
وفي معرض هذه الدراسات التي تستخدم فيها طريقة التحليل، وأسلوب الموازنة والمقارنة تتجلى أهداف الإسلام السامية، وفضائله الكبرى فتجتذب النفوس العاقلة، وتتفتح لها القلوب الواعية.
وكان “حسين روف” واحداً من الاجتماعيين الإنجليز، الذين درسوا الأديان والمذاهب الاجتماعية المختلفة، دراسة متأنية متعمقة فبهرته عظمة الإسلام، وسمو أهدافه ومبادئه، وقدرته الخارقة على مواجهة المتاعب والمشكلات التي يعانيها الأفراد والمجتمعات، وملاءمته العجيبة لمختلف البيئات والحضارات على تباينها واختلافها.
وكان طبيعيّاً أن يبادر إلى اعتناق هذا الدين الحنيف، والدعوة _بكل طاقته_ إليه، وتبصير مواطنيه بمبادئه وأهدافه، وتفنيد ما يوجهه إليه أعداؤه _كذباً وبهتاناً_ من تُهَم باطلة.
وقد بدأ “روف” بدراسة عقيدتي أبويه… وكان أحدهما مسيحياً والآخر يهوديّاً… ثم انتقل إلى دراسة العقيدة الهندوسية، وفلسفتها، وخاصة تعاليمها الحديثة عند “يوبانيشادو فيدانتا”… ثم درس العقيدة البوذية، مع مقارنتها ببعض المذاهب اليونانية القديمة. كما درس بعض النظريات والمذاهب الاجتماعية الحديثة، وخاصة أفكار الفيلسوف الروسي “ليوتولستوي”.
ومن العجيب حقاً أن اهتمامه بدراسة الإسلام جاءت متأخرة، بالنسبة للأديان والعقائد الأخرى، برغم إقامته في بعض البلاد العربية… وكان أول تعرّف له عليه خلال قراءاته لترجمة للقرآن الكريم وضعها “رودويل” إلا أنه لم يتأثر بها، لأنها لم تكن ترجمة أمينة صادقة، وكان شأنها في ذلك شأن كثير من الترجمات المماثلة التي يشوبها الجهل أو الأغراض العدائية والتي صدرت بعدة لغات أجنبية.
غير أنه _لحسن حظه _ التقى بأحد الدعاة المثقفين إلى الاسلام، الذين يتقدون حماساً له، وإخلاصاً في تبليغه للناس، فقام بتعريفه لبعض حقائق الإسلام، وأرشده إلى إحدى النسخ المترجمة لمعاني القرآن الكريم، ترجمها أحد العلماء المسلمين، وأضاف إليها تفسيراً واضحاً مقنعاً بُني على المنطق والعقل، فضلاً عن توضيح المعاني الحقيقية التي تعجز عن إبرازها اللغة الإنجليزية… كما أرشده إلى بعض الكتب الإسلامية الأخرى التي تتسم بالصدق والبرهان الساطع… فأتاح له كل ذلك أن يُكوّن فكرة مبدئية عن حقيقة الإسلام قد أثارت رغبته في الاستزادة من المعرفة به وبمبادئه وأهدافه عن طريق المصادر العلمية غير المغرضة.
وقد أكدت صلاته ببعض الجماعات الإسلامية، ودراسة لأحوالهم عن كثب، ومدى تأثير الإسلام في سلوكهم وروابطهم، فكرته المبدئية عن عظمة الإسلام، فآمن به كل الإيمان…
تعالوا معنا نستمتع بما قاله في وصفه لتلك التجربة التي شجعته على اعتناق هذا الدين الحنيف:
“ذات يوم من عام 1945 دُعيت لمشاهدة صلاة العيد، وتناول الطعام بعد الصلاة، فكان في ذلك مناسبة طيبة لأرى عن كثب ذلك الحشد العالمي من مختلف بلاد العالم، ومختلف الطبقات الاجتماعية، ومن مختلف الألوان… هناك قابلت أميراً تركياً وإلى جواره كثير من المعدمين، جلسوا جميعاً لتناول الطعام معاً، لا تلمح في وجوه الأغنياء امتعاضاً أو تظاهراً كاذباً بالمساواة، كذلك الذي يبدو على الرجل الأبيض في حديثه إلى جاره الأسود، ولا ترى بينهم من يعتزل الجماعة أو ينتحي فيها ركناً قصياً، كما لا تلمح بينهم ذلك الشعور الطبقي السخيف الذي يمكن أن يتخفى وراء أستار مزيفة من المساواة”.
ثم استطرد يقول:
“ليس هناك مجال لشرح كل أمور الحياة التي وجدت في شرائع الإسلام من حلول، لم أجده في غيره، ويكفي أن أقول إنني _بعد تفكير وتدبر _ رأيتني أهتدي إلى الإيمان بهذا الدين، بعد دراستي لجميع الأديان الأخرى المعروفة في العالم، بدون أن أقتنع بأي واحد منها”.
ثم مضى في بيان سبب إسلامه، فقال:
“قد بينتُ فيما ذكرت، لماذا أصبحت مسلماً، ولكن ذلك لا يكفي مطلقاً لبيان دواعي فخري واعتزازي بذلك، فإن هذا الشعور نما وازداد مع مرور الزمن وازدياد تجاربي… فقد درست الحضارة الإسلامية في جامعة إنجليزية، وأدركت لأول مرة أنها _وبكل تأكيد _ هي التي أخرجت أوربا من العصور المظلمة واستقرأت التاريخ، فرأيت أن كثيراً من الإمبراطوريات العظيمة كانت إسلامية، وأن كثيراً من العلوم الحديثة، يعود الفضل فيها إلى الإسلام.…
ولما جاء بعض الناس ليقول لي: إني باعتناقي للإسلام أكون قد سلكتُ طريق التخلف، ابتسمت سخرية لجهلهم، وخلطهم بين المقدمات والنتائج”.
ثم تساءل قائلاً:
“هل يجوز للعالم أن يحكم على الإسلام بمقتضى ما أصابه من انحلال لظروف خارجة عنه؟… وهل يجوز الحط من قيمة الفن العظيم الذي صاحب عصر النهضة الأوربية، بسبب اللوحات الممسوخة في أرجاء المعمورة في أيامنا هذه؟… حسبنا أن نعلم أن اعظم العقول وأكثرها تقدماً في جميع العصور كانت كلها تنظر بكل تقدير إلى الثقافة الإسلامية، التي لا تزال أكثر لآلئها مكنوزة لم يتوصل الغرب بعد إليها”.
ثم أشاد بأخلاق المسلمين الحقيقيين وكرمهم، وقدرة الإسلام على علاج مشكلة التفاوت الاجتماعي بقوله:
“لقد سافرت إلى أقطار كثيرة في أنحاء المعمورة، وأُتيحت لي الفرصة لأرى كيف يستقبل الغريب في كل مكان، وأن أعرف كيف يكون إكرامه أول ما يخطر على البال.. وكيف يكون التصرف معه؟ .. وعن الفائدة التي قد تأتي من مساعدته، فلم أجد من غير المسلمين من يدانيهم في إكرام الغريب والعطف عليه من غير مقابل…