تفــاؤل الدين …………. تشــاؤم الإلحـاد
بعد غـزو الإلحـاد للثقافة الأوربيـة في خمسينات القرن الماضي وقف بول فاليري المؤرخ والأديب المعروف وقال:-هُنـاك أمل يحتضر في ثقافـة أوربـا يفقد الشكاكون شكهم ثم يجدونه ثم يفقدونه مرة أُخرى لقد نسوا كيف يستخدمون مهاراتهم العقلية .. صار الفكـر الأوربي بأسره يعاني من صبيانية فكرية تطغى على الشباب والأفلام والسينما والثقافة بأسـرها .. تسليات مُبتذله غياب روح الفُكـاهة الأصيلة الحاجة إلى أحداث مُثيرة ومشاعر قوية الميل إلى الشعارات الرنـانة والإستعراضات الجماهيرية والتعبير عن الحب والكراهية باُسـلوب مُبالغ فيه اللوم والمدح المُبـالغ فيهما وغير ذلك من العواطف الجماهيرية القاسية التي غلفت ثقافـة أوربـا بأسرها
إن الرفاهيـة هي الصورة البرانيـة والعبثيـة هي الصورة الجوانيـة .. كلمـا ازداد التمسك بالإلحـاد كلما تعاظم الشعور باليأس والخـواء
هناك ملاحظة مدهشة تقول أن التشاؤم ملازم للمناظق التي تم فيها القضـاء على الأُميـة .. إن مشاعر الإستيـاء والقنوط مجهولة تماما في المجتمع الفقير وتعليل هذه الظاهرة أن المدينـة التي يموت فيها الإنسان بالتدريج ويحيـا اللاإنسان حيث المصنع والآلة يسهل غـزو الإلحـاد وإذا دخل الإلحـاد سيمتليء المكان سريعـا بكل صور القنوت واليأس والتشاؤم والخوف ..!!
بينما بعيدا عن تدجين المدينة يبدأ الإنسان يشعر بالشخصية والفردية والإستقلالية يشعر أنه إنسان وساعتها يصعب جدا غـزو الإلحـاد
بينما يعيش العلمـاء لحظـات زهو الإنتصارات المُتتالية في المُدن الكبرى يعيش المُفكرون والفلاسفة في خوف وقلق وتشاؤم على مستقبل الإنسان ومصيره .. يتدخل العلم عُنـوة ببيانات قويـة رنانة عن توافر السلع وانخفاض معدلات البطالة وزيادة الإنتاج بينما يشير المُفكرون بطرف خفي إلى ضيـاع الإنسان وخواءه النفسي
يكتشف المُفكرون دائما إنسان يائس عنيف مُحـاط بكل سُبـل الراحة
يعترف الدين بموت الإنسان التدريجي الذي يتم الآن بإسم الحضارة الإلحـادية وبداية نمـو اللاإنسان
إخفاق الإلحـاد البين في حل مشكلة السعادة الإنسانية وفشله في تحقيق الفردوس الإنساني على الأرض مع أنه استخدم أقوى وسائل العلم والقوة والثروة وإذا تم الاعتراف بذلك فلابد أن تكون فكرة الدين عن أصل الإنسان هي الفكرة الصحيحة لأنه ليس هناك خيـار ثالث خاصة وان الدين يزعم دائمـا أنه يملك مفتاح السعادة الأبدية
فلسفة التشاؤم والعبث هما ثمرة أكثر البلاد رخاءا ولم يكن سارتر سيء لهذا الحد عندما أسس للفلسفة التشاؤميـة والعبثيـة ففلسفته ليست إنكــار للألوهيـة وإنما احتجاج ضمني على غيـابها أو احتجاج على حقيقة الإنسان ففلسفنه في النهاية تمثل إنكارا للمادية والبحث المجتهد عن طريق خارج هذا العالم الذي أصبح فيه الإنسان غريبا إنه بحث فيما وراء القبور وإنما يكمن الفرق في أن فلسفته لا تجد طريقا للخلاص بينما يذهب الدين إلى أنه وجد هذا الطريق ..
فلسفة سارتر وغم المُفكرين الغربيين وضيق الملاحدة والشعور المُلازم باليأس كل هذا سببه أن الخير والخلاص موجودين ولكن هؤلاء جميـعا فقدوا ذلك الطريق ولو لم يكن هناك طريق للخير والخلاص والفردوس لما كان سيتواجد داخل النفس الإنسانية كل هذا التشاؤم لكن استقر في وعينـا أن هناك فردوس طُردنا منه يومـا ما ونسعى بكل جهدنا للوصول إليـه وخاب وخسر من ضَل هذا الطريق فهو لن يحقق الفردوس لا في دنيـاه ولا آخرته ..!!