من شواهد عظمة القرآن وإعجازه أن الله عز وجل قد حفظه من أن تمتد إليه يد بتحريف أو تغيير طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولا يزال القرآن ملء الأسماع والأفواه، مادَّة للأقلام ومسرحًا للعقول، ومجالاً للجدل والمناظرة، وشريعة لمئات الملايين من البشر من شتى الأجناس والأعراق، أربعة عشر قرنًا لا يزيده مَرُّ الزمان إلا رسوخًا وقُوَّةً، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد”.. نعم ما زال القرآن جديدًا كأنه يتنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان القرآن من كلام البشر لفرغ الناس منه، كما فرغوا من كل نص آخر مهما بلغت عظمته وروعته.
إن استمرار القرآن خلال هذه القرون المتطاولة، مع ازدياد عطائه، لهو برهان تاريخي يشهد بعظمة هذا الكتاب وإعجازه، وَإلاَّ فأيّ كتاب آخر كان له مثل هذا الخلود، أو هذا العطاء، أو هذه الدقة والضبط والإتقان في آياته، وكلماته، وحروفه، وأصواته، وحركاته، وسكناته؟!
وأي كتاب توفَّرت عليه كل هذه العقول والقلوب حفظًا، وتفسيرًا، واستنباطًا لأحكامه، وترتيلاً لكلماته؟!
وإلى جانب ذلك ما فيه من بساطة وقرب مأخذ، مع عمق معانيه واتِّساعها، وتعدُّد مستويات المعنى في آياته على حسب أفهام القارئين والسامعين ومستويات سُمُوِّهم الروحِيِّ، وأنه سهلٌ قد يَسَّره الله للناس: كبيرهم وصغيرهم، عالِمهم وجاهلهم، وإنه حقًّا كما قال رب العزة: