محمد

ذرية إسماعيل المباركة

خرج إبراهيم عليه السلام من أرض العراق واتجه إلى الأرض المباركة، أرض فلسطين، وتذكر التوراة أن عمره حينذاك الخامسة والسبعين، ولما يولد له ولد، وخرج بعد أن بشره الله بأن قال: «أجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة… وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض» التكوين 12/2 – 3 .

وفي أرض فلسطين حملت هاجر – مولاة سارة – بابنها إسماعيل، وتذكر التوراة غِيرة سارة من هاجر وقد أضحى لها ذرية، فيما حرمت سارة الولد والذرية حتى ذلك الحين.

عندها أذلت سارة هاجر، فهربت هاجر من وجه مولاتها « فقال لها ملاك الرب: ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها. وقال لها ملاك الرب: تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة، وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه: إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنساناً وحشياً -1- يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن » التكوين 16/11 – 12 لقد بشرها الملاك بابن عظيم يسود على كل أحد، لكنه أحياناً يكون على خلاف ذلك، فيتسلط عليه كل أحد.

وولدت هاجر ابنها إسماعيل فكان بكراً لإبراهيم، «وكان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل» التكوين 16/16 .

ولما بلغ إبراهيم التاسعة والتسعين تجددت البركة من الله لإبراهيم « قال له: أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً، فأجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيراً جداً.. أجعلك أباً لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيراً جداً، وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون، وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً… » التكوين 17/1 – 8 .

وابتلى الله إبراهيم، فأمره بذبح ابنه الوحيد يومذاك، إسماعيل، فاستجاب وابنه لأمر الله، وحينها «نادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء، وقال: بذاتي أقسمت، يقول الرب، إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيراً، كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه» التكوين 22/1-17 .

وطلب إبراهيم من الله الصلاح في ابنه إسماعيل: « قال إبراهيم لله: ليت إسماعيل يعيش أمامك» التكوين 17/18 .

فاستجاب الله له وبشره بالبركة فيه وفي ابن آخر يهبه الله له، فقد بشره بميلاد إسحاق من زوجه سارة فقال: « وأباركها وأعطيك أيضاً منها ابناً، أباركها فتكون أمماً، وملوك شعوب منها يكونون… وتدعو اسمه إسحاق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده.

وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة » التكوين 17/16 – 20 .

وقد كان إسحاق أصغر من إسماعيل بأربعة عشر سنة «وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحق ابنه» التكوين 21/5

وقد ولد لإبراهيم أبناء آخرون من زوجته قطورة، لكن الله لم يعده بالبركة فيهم «عاد إبراهيم فأخذ زوجة اسمها قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا» التكوين 25/1-2 ، ولم يخرج من نسلهم أنبياء لعدم الوعد فيهم بالبركة.

وهذا الذي تذكره التوراة يتفق إلى حد كبير مع ما يقوله القرآن، فالقرآن يقرر بركة وعهداً لإبراهيم في صالحي ذريته من ابنيه المباركين إسماعيل وإسحاق، حيث يقول « وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين » البقرة: 124

وذكر الله بركة الابنين وأن من ذريتهما صالح هو مستحق للعهد، وظالم ليس له من العهد شيء فقال عن إسماعيل: « وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين » . الصافات: 113 .

وهذا يتفق مع ما جاء في التوراة التي نصت على أن العهد والاصطفاء مشروط بالعمل الصالح «سر أمامي وكن كاملاً فأجعل عهدي.. » التكوين 17/1 – 2

كما قال له: « إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع أمم الأرض، لأني عرفته، لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، ليعملوا براً وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به » التكوين 18/18 – 19 ، فبركة الله إنما تكون للصالحين.

لكن البركة تبدأ بإسحاق دون إسماعيل، وذلك لا يعني حرمان إسماعيل من نصيبه من البركة «ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية » التكوين 17/21 .

وتذكر التوراة أنه بعد فطام إسحاق، هاجرت هاجر وابنها وأنها « مضت وتاهت في برية بئر سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار… ونادى ملاك الله هاجر…. قومي احملي الغلام، وشدي يدك به، لأني سأجعله أمة عظيمة، وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء… وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر » التكوين 21/17-21 .

ويتجاهل النص التوراتي خصوصية إسماعيل في نبع ماء زمزم المبارك في مكة المكرمة، ويرى قصة الهجرة في صحراء بئر سبع جنوب فلسطين، ثم يسميها برية فاران.

فما هي البركة التي جعلها الله في إسحاق وإسماعيل؟ هي بلا ريب بركة النبوة والكتاب والملك بأمر الله والظهور باسمه « ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين » الجاثية: 16

ويعتبر اليهود والنصارى من بعدهم أن الوعد في إسحاق وعد أبدي لن ينتقل إلى غيرهم، فقد قيل: «فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً، وتدعو اسمه إسحاق. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده… ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية» التكوين 17/19-21 ، فقد فهموا من كلمة «أبدياً» أن العهد لبني إسرائيل إلى يوم القيامة، وأنه غير مشروط ولا متعلق بصلاحهم وانقيادهم لأمر الله.

لكن كلمة الأبد لا تعني بالضرورة الاستمرار إلى قيام الساعة، بل تعني طول الفترة فحسب، ومثل هذا الاستخدام معهود في التوراة، يقول سفر الملوك: «فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد» ملوك 2 5/27 ، فالأبد هنا غير مقصود، وإلا لزم أن نرى ذريته اليوم أمة كبيرة تتوالد مصابة بالبرص.

وفي سفر الأيام «وقال لي: إن سليمان ابنك، هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً، وأثبت مملكته إلى الأبد» الأيام 1 28/6 ، وقد انتهت مملكتهم منذ ما يربو على 2500 سنة على يد بختنصر البابلي، فالمراد بالأبدية الوقت الطويل فحسب.

ووقتَّ سفر التثنية الأبدية بما يساوي عشرة أجيال، فقال: «لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد، من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء» التثنية 33/3-4 ، فالجيل الحادي عشر للمؤابي غير محروم من جماعة الرب، وهو دون الأبد والقيامة.

ومثله قول دانيال لنبوخذ نصر: «فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك عش إلى الأبد» دانيال 6/21 ، أي عش طويلاً.

وعليه نقول: إن العهد قد بدأ بإسحاق، وهو وعد أبدي متطاول إلى أجيال بعيدة، وهو ما تم حين بعث الله النبيين في بني إسرائيل، وأرسل إليهم الكتب، وأيدهم بسلطانه وغلبته على الأمم التي جاورتهم، وأقام لهم مملكة ظافرة إلى حين.

ويتفق اليهود والنصارى مع المسلمين في أن بركة إسحاق هي النبوة والملك والكتاب والكثرة والغلبة، في حين يعتبرون وعد إسماعيل وبركته

هي الكثرة فقط، « وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة » التكوين 17/20 .

وهذا التفريق أيضاً بخلاف ما جاء في النصوص التي لم تفرق بالألفاظ والمعاني بين الأخوين المباركين، وعليه فبركة إسماعيل هي كبركة إسحاق: نبوة وكتاب وحكم وكثرة. فمتى تحقق ذلك لإسماعيل؟ متى اجتمع له ذلك

نقول: لم يجتمع له ذلك إلا في بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم من ذريته، فتحولت قبائل بنيه المتفرقة الضعيفة إلى ملك عظيم ساد الدنيا، واجتمع إلى كثرتهم النبوة والكتاب، فتحقق ما وعد الله إبراهيم وهاجر في ابنهما إسماعيل.

وإلا فأين تحققت البركة في إسماعيل الذي أخبر النص عن حاله، فقال: « يكون إنساناً وحشياً يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه » التكوين 6/12 أي أنه يغلب تارة فيسود الجميع كما يسود الجميع عليه تارة أخرى.

وقد ساد العرب المسلمون الأمم برسول الله ودولته، وفيما عدا ذلك كانوا أذل الأمم وأضعفها وأبعدها عن أن يكونوا محلاً لبركة الله، إذ لا بركة في قبائل وثنية تكاثرت على عبادة الأوثان والظلم، فمثل هؤلاء لا يكونون في بركة الله.

وإذا عدنا إلى النصوص العبرية القديمة التي تحدثت عن إسماعيل

نجد النص كالتالي « وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً » «بماد ماد» «اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة» «لجوى جدول» . التكوين 12/2 فكلمتي «ماد ماد» و «لجوى جدول» هما رمزان وضعا بدل اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فكلمة «ماد ماد

حسب حساب الجمّل 2 الذي يهتم به اليهود ويرمزون به في كتبهم ونبوءاتهم تساوي 92، ومثله كلمة « لجوى جدول » وهو ما يساوي كلمة « محمد

وكان السمؤل أحد أحبار اليهود المهتدين إلى الإسلام قد نبه إلى ذلك، ومثله فعل الحبر المهتدي عبد السلام في رسالته « الرسالة الهادية

ونقول: إن ما جاء في سفر التكوين عن وجود بركة في العرب تمثلت بنبوة وملك يقيمهم الله في العرب هو النقطة الأساس التي يخالفنا فيها أهل الكتاب، وهي المدخل الأهم لنبوءات الكتاب المقدس، إذ أن كثيراً مما يذكره المسلمون من نصوص توراتية يرونها نبوءات بالرسول صلى الله عليه وسلم، كثير من هذه النصوص يراها النصارى أيضاً نبوءات بالمسيح أو غيره من أنبياء اليهود، ويمنعون أن تخرج هذه النبوءات عن بني إسرائيل.

من هو الذبيح المبارك؟ وأين هي الأرض المباركة؟

تتحدث التوراة عن قصة أم الله إبراهيم بذبح ابنه الوحيد ، وبدلاً من أن تسميه إسماعيل فإنها سمته إسحاق، وطبقاً لهذا التغيير تغير الزمان والمكان الذي جرت به القصة.

ومما جاء في القصة التوراتية « خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب به إلى أرض المريا… فلما أتيا الموضع…. لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئاً، لأني الله علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني…. فدعا إبراهيم ذلك الموضع: » «يهوه يراه» « حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يرى… يقول الرب: إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة…... » التكوين 22/1 – 18 .

وفيما تقدم عدة بشارات تبشر بمجيء النبي صلى الله عليه وسلم، ونرى يد التحريف والعنصرية تحاول طمس هذه البشارات.

فمن التحريف البين إدراج اسم إسحاق الذي لم يكن وحيداً لإبراهيم قط، وقد تكرر وصف الذبيح بالوحيد ثلاث مرات، وقد رأينا أن إسماعيل كان وحيداً لإبراهيم أربع عشرة سنة.

والبكورية لإسماعيل محفوظة وإن كان ابن هاجر – مولاة سارة – التي اتخذها زوجة فيما بعد، فمنزلة الأم لا تؤثر في بكورية الابن ولا منزلته

وقد جاء في التوراة: « إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة، والأخرى مكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر. بل يعرف ابن المكروهة بكراً ليعطيه نصيب اثنين في كل ما يوجد عنده، لأنه هو أول قدرته له حق البكورية » التثنية 21/15 – 17 .

ومما يبطل أن يكون الذبيح إسحاق أن إبراهيم قد وعد فيه بالبركة والذرية منه قبل ولادته، وأنه سيكون كعدد نجوم السماء انظر التكوين 17/21 فالأمر بذبحه لا ابتلاء فيه، لأنه يعلم أنه سيكون لهذا الابن نسل مبارك….

وهو ما صرح به المسيح حسب إنجيل برنابا الذي نذكر الاستشهاد به استئناساً فقط، فقد قال له التلاميذ: «يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى: إن العهد صنع بإسحاق؟ أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم: إنكم إذا أكملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا.. كيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين» برنابا 44/1 – 11 ، وفي التوراة المتداولة أن بينهما أربعة عشرة سنة. انظر التكوين 16/16، 21/5

ومن ذلك كله فالذبيح هو إسماعيل، وجبل الرب في الأرض التي عاش فيها، والبركة لإبراهيم في ذريته محفوظة له بعد أن قام بالاستسلام لأمر الله وهمّ بذبح ابنه الوحيد.

فقد حرف أهل الكتاب اسم الذبيح، وحرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية « الأرض المرشدة » . فيما سمته التوراة العبرانية « المريا » ، ولعله تحريف لكلمة « المروة » ، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة اليوم، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل.

وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع «جبل الله » ، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك.

لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً فقال السامريون: هو جبل جرزيم. وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون.

والحق أن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران، واختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.

وبقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد استمر في حياة المسيح، وذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل، « قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.

ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا» يوحنا 4/19-24 .

فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.

وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين « ولكن تأتي ساعة وهي الآن» ، يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى: « أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء» متى 26/64 ، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.

ومثله قول المسيح: «وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان» يوحنا 1/51 .

وقد قال ميخا النبي عن مكة والبيت الحرام وعن إتيان الناس للحج عند جبل عرفات: « يكون في آخر الأيام بيت الرب مبنياً على قلل الجبال، وفي أرفع رؤوس العوالي يأتين جميع الأمم، ويقولون: تعالوا نطلع إلى جبل الرب» ميخا 4/1-2 .

كما رمز النبي إشعيا لمكة في نص آخر بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعز، فقال: « ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب: أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد..

قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي» إشعيا 54/1-17 .

في النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.

وقوله: «لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل» ، يقصد فيه أن زوارها أو أبناءها أكثر من زوار أورشليم التي يسميها ذات البعل، ولفظة بنو المستوحشة يراد منها ذرية إسماعيل، الذي وصفته التوراة – كما سبق- بأنه وحشي « وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه: إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنساناً وحشياً، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه» التكوين 16/11 – 12 .

كما تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها «بكة» ، فجاء فيها: « طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء » في الترجمة الإنجليزية: «through the valley of ba’ca make it a well» فذكر أن اسمها بكة، وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف كما أسلفنا

«يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار » المزامير 84/4-10 .

والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك كالتالي: «يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون» 83/7-8 .

وهذا الاسم العظيم «بكة» هو اسم بلد محمد صلى الله عليه وسلم، الاسم الذي استخدمه القرآن للبلد الحرام « إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدًى للعالمين » آل عمران: 96 .

ــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع نصرة رسول الله صلى الله علية وسلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى