موقف الإسلام من التنجيم
موقف الإسلام من التنجيم
بقلم : د زغلول النجار- التاريخ : 2008-05-26
حين مَّنَ الله تعالى على الإنسانية ببعثة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) تنزل القرآن الكريم صادعا بالحقيقة التي تنص على أن علم الغيب مقصور على الله سبحانه وتعالى وحده كما حذر القرآن الكريم من مجرد الاستقسام بالأزلام، وحذر الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مغبة السقوط في حبائل المنجمين والكهان والعرافين وغيرهم من مختلف صور الدجالين والمشعوذين بقوله (عليه الصلاة والسلام) عنهم أنهم كذابون ولو صدقوا وأنهم ليسوا على شئ وأن اللجوء إليهم يفقد المؤمن أجر صلاة أربعين يوماً وعلى ذلك فإن موقف الإسلام من قضية التنجيم كان موقفاً واضحاً حدده كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) لأن الإسلام جاء لتحرير الناس من مختلف صور الأوهام والأباطيل، ولكن حينما قامت حركة الترجمة في العصر العباسي الأول بنقل تراث الإغريق إلى العربية ظهرت الإشارة إلى التنجيم في العديد مما ترجم من تراث، وزاد في الإقبال عليه شغف واضح بعلوم الفلك التي كانت مختلطة مع التنجيم في التراث الإغريقي اختلاطا كبيرا.
وعندما بدأت أوربا في ترجمة التراث العلمي العربي في نهاية القرون الوسطى وبداية عصر النهضة من العربية إلى اللاتينية أخذت فيما أخذت تراجم التراث الإغريقي وتعليقات بعض العلماء العرب عليه فصبغ الأوربيون التنجيم بصبغة عربية إسلامية، والإسلام منه براء، وقد ساعد على ذلك أن الذين قاموا بنقل التراث العربي إلى اللاتينية كان معظمهم من أحبار اليهود الذين كانوا على صلة بكل من العالمين الإسلامي والنصراني، وكان اليهود-كعادتهم– حريصين كل الحرص على تضليل غيرهم من الناس( الذين يسمونهم بالأميين)، وإغراقهم في الخرافات والدجل والأساطير حتى يتمكنوا من السيطرة عليهم وابتزاز أموالهم، وتسخيرها لمخططاتهم، فغالوا في الترويج للتنجيم و تبنوا الهيمنة عليه حتى كان منهم في بلاط كل ملك وأمير ووجيه أكثر من منجم واحد، وقد ظلت فلول هؤلاء المنجمين اليهود في بلاط بعض الملوك والرؤساء إلى الزمن الحاضر.
وقد بلغ من هيمنة التنجيم والمنجمين في أوربا إبان القرن الثالث عشر الميلادي أن كثيراً من الأدباء الغربيين اعترفوا في كتابتهم بنوع من سيطرة النجوم على مجريات الأمور في هذه الدنيا، وقد بلغ الأمر من التفاقم مبلغا كبيراً في القرن الرابع عشر الميلادي حتى أن عددا من جامعات أوربا الشهيرة (ومن بينها جامعات باريس، وبولونيا، وفلورنسا) أقدمت على إنشاء أقسام للتنجيم بها مما أكد على استمرار سيطرة تلك الخرافات على الفكر الأوروبي حتى مطلع القرن السابع عشر الميلادي إن لم يستمر إلى ما بعد ذلك التاريخ.
من هنا بدأ التنجيم بفقد سيطرته على عقول المستنيرين من بني البشر، فلم يعد بوسع أي عاقل أن يقبل ذلك الإدعاء الباطل بأن تلك البلايين من أجرام السماء التي تدور في أفلاكها المحددة يمكن أن تساعد المنجمين في التنبؤ بطالع ملك من الملوك أو بوفاة نفر من الناس. وكان للتطور المذهل لعلم الفلك في العقود القليلة الماضية أثره البالغ في هدم خرافة التنجيم، ولكن على الرغم من كل ذلك فقد بقى عدد من المنجمين يستغلون سذاجة الناس حينا، وجهلهم حينا آخرـ و اضطراباتهم النفسية في عالم احتدمت فيه الصراعات، وانتظر الناس فيه الغد بكثير من الخوف والقلق، استغل المنجمون كل ذلك في محاولة السيطرة على الناس وابتزاز أموالهم بوهم خادع مؤداه أن في إمكان النجوم أن تقرأ لهم مستقبلا يجهلونه، ونحن نؤمن بأن المستقبل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ولكن بقيت غشاوات من الجهل في أعين الكثير من الناس تحجب عنهم نور الحق الساطع الذي يدحض الدجل والشعوذة على الرغم من الحقيقة الواقعة أنه ببزوغ فجر القرن التاسع عشر الميلادي انحسر الإيمان بالتنجيم واخذ الناس يتطهرون من رجسه يوماً بعد يوم كلما تقدمت المعرفة العلمية واستنار الناس بنور الهداية الربانية ولكن لم يكن من السهل تطهير المجتمعات الإنسانية من المنجمين وتابعيهم بصوره قاطعة فلا يزال نفر من الناس يؤمون بتلك الممارسات الجاهلية ويقبلون عليها على الرغم من سقوطها علميا وتحريمها إسلاميا، فقد صدر لمجموعه من علماء الفلك الأمريكيين كتاب عنوانه “التنجيم خرافة “Astrology is a Myth“ولكن على الرغم من ذلك ظلت وسائل الإعلام في عالمنا العربي والمسلم تصدر جزءا مخصصا لطوالع مواليد البروج المختلفة، كما أنها تفسح المجال بين الحين والآخر للإعلانات عن عدد من هؤلاء المنجمين أو لمقالات تكتب عن مثل ذلك الدجل، أو تصدر التقاويم والنشرات التي تهتم بتأويلات المنجمين، وهي كلها كذب فالتنجيم مخالف للفطرة الربانية وللسنن الكونية لأن الإنسان لو علم بمستقبل حياته لتوقفت الحياة، كما أن التنجيم به شئ من الشرك بالله الذي حرمه القرآن الكريم تحريماً بائنا، وعلى المسلمين ألا يقلدوا غيرهم في ذلك وأن يلتزموا بأوامر الله وبسنة رسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الأمر وفى غيره من أمور الدين والدنيا حتى ينجوا من مخاطر الدجالين والمشعوذين بإذن الله.
وتتضح ومضة الإعجاز السلوكي في نهي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إتيان الكُهَّان والعرافين في أقوال عديدة منها:
(1) ” لا تَأْتُوا الْكُهَّانَ ” (رواه الإمام أحمد في مسنده).
(2) ” الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنْ الْجِبْتِ ” (رواه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده).
(3) ” مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ” (رواه الإمام أحمد).
(4) وعن أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ قالت: سأل أناس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الكهان، فقال لهم: ” لَيْسُوا بِشَيْءٍ “، قالوا: يا رسول الله، فإنهم يحدثون أحيانًا بالشيء يكون حقًا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ” تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ ” (البخاري ومسلم).
هذا هو حال الكهان والعرافين والبصارين وغيرهم من الكذبة الدجالين، ومن هنا تأتي الحقائق القرآنية المؤكدة على أن الغيب المطلق لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ، وتأتي أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشددة في عدم إتيان الكهنة والسحرة والعرافين الذين يعبثون بعقول الناس ويعيثون في الأرض فسادًا بادعاء القدرة على معرفة الغيب، والغيب المطلق لا يعرفه إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ.