هل فَتْقُ السموات عن الأرض هو الانفجار العظيم؟
{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }
هل فَتْقُ السموات عن الأرض هو الانفجار العظيم؟ فقد قال بعض المفسرين من هذا القرن بأن الآية { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} في سورة الأنبياء تتحدث عن الانفجار العظيم (بالإنجليزية: Big Bang)، وهذا ما يبدو من الوهلة الأولى، فحدث الفتق يُوحي عن بُعد بأن هذا ما حدث!
إن هذا التفسير السطحي، والغير مدعوم بالعلم أو بالقرآن، يحمل في طياته تناقضات مع العلم الحديث بموضوعين رئيسيين، أولهما: أن الأرض هي مركز الانفجار العظيم وبالتالي مركز الكون؛ أي أن كل شيء متمركز حول الأرض! وهو الخطأ الذي وقعت به الكنيسة، وثانيهما: أن عمر الأرض يساوي عمر الكون والذي يتضارب مع التقديرات العلمية الحالية بأن عمر الأرض يقارب 4.7 مليار سنة بينما عمر الكون هو 13.8 مليار سنة!
للجزم بهذا الموضوع، علينا أن نفهم أولا ما هي نظرية الانفجار العظيم: “في علم الكون الفيزيائي، الانفجار العظيم(بالإنجليزية: Big Bang) هو النظرية السائدة حول نشأة الكون. تعتمد فكرة النظرية أن الكون كان في الماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزء واحد عند نشأة الكون. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرُدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.” المصدر: ويكيبيديا
من الجهة الاخرى، علينا توضيح بعض المسميات التي وردت في القرآن الكريم، فكثيراً ما يخلط الناس بين “السماء” وبين “السموات والأرض”. فقد ذكرت السماء ما يقارب الـ 120 مرّة في القرآن الكريم، أما “السموات والأرض”، فقد ورد ذكرها ما يقارب 189 مرّة ووصف تعالى نفسه بـ “بديع السموات والأرض”، فهل “السموات والأرض” أكبر من السماء؟ أم أن السموات والأرض شيء صغير من مكونات السماء!
وصفت السماء في القران على انها: 1- ذات الحبك؛ حبكت بالنجوم.2- ذات البروج؛ ففيها البروج المعروفة (تجمعات النجوم) التي نراها بالعين المجردة. 3- { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذاريات 47؛ الأيد تعني القوّة، فالمجرات خارج المجموعة المحلية في تباعد عنّا كما لاحظ العلماء من خلال الانحياز الى اللون الأحمر 4- السماء تحدث بهاانشقاقات بسبب انفجار النجوم {فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ} الرحمن 37 5- تدبير الأمر من السماء الى الارض يحدث في فترة تعادل 1000 سنة من سنين الأرض {يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} السجدة 5 6- السماء مرفوعة عن الأرض وهي في حالة استقرار {وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ} الرحمن 7 7- خلق السماء أشد من خلق الانسان { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } النازعات 27 8- الغاية من رفع السماء هو حفظ ما تحتها { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } الانبياء 32
السمواتُ السبعُ في (لسان العرب): أَطباقُ الأَرَضِينَ، وتُجْمَع سَمَواتٍ. لاحظ أن الألف في سَمَٰوَٰتٍ في القرآن تُكتب بحرف المد وكأنه تصغير لهن، كما وأن هذه الـ سَمَٰوَٰتٍ تخص الكرة الأرضية حيث انها اقترنت بالأرض على شكل “السموات والارض”، بعكس السماء المكتوبة بحرف بالألف. هذه السموات خلقت في اليومين الخامس والسادس من خلق السموات والأرض، أي بعد مضي خمسة أيام منذ بداية خلق الأرض ولم تكن هناك سموات! في حين كانت السماء موجودة منذ بداية خلقهم! { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَىٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } وقد حسم رسول الله المسافة بين السموات السبع في الحديث النبوي الشريف “هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قال قلنا الله ورسوله أعلم, قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة”وحيث أن مسيرة اليوم تقارب الـ 40 كم، فإن مسيرة الـ 500سنة قمرية هي 40 كم/اليوم * 29.5 يوم/الشهر * 12 شهر/السنة * 500 سنة = 7,080,000 كيلومتر (7 ملايين كيلومتر) وبالتالي فإن ارتفاع السبع سموات عن الأرض يقارب 7 سموات * 7 ملايين كم/سماء = 49 مليون كيلومتر وهذه المسافة تقارب بُعد مدار كوكب الزهرة عن الأرض (42 مليون كم) من جهة وبُعد مدار كوكب المريخ (78 مليون كم) عن الأرض من جهة أخرى! وهو ما يتناسق من حيث الأبعاد مع حديث الحبيب عليه الصلاة والسلام: “مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ عِنْدَ الْكُرْسِيِّ إِلا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلاةٍ ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاةِ عَلَى الْحَلَقَةِ”. والفَلاة في لسان العرب هي القَفر من الأَرض لأَنها فُلِيت عن كل خير أَي فُطِمت وعُزِلت. وفي أحاديث اخرى وصفت “ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض!”، وأيضاً “ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس” و “والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة” كما وتؤكد الآية 16 من سورة نوحبأن القمر والذي يبعد 400،000 كم عن الأرض يقع داخل السموات السبع بينما تقع الشمس (150 مليون كم) خارجهم: { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } * {وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسََ سِرَاجاً}.
https://www.youtube.com/watch?v=Kj4524AAZdE
نستنتج مما سبق بأن “السموات والأرض” هي من مكونات السماء، وهي كالحاضنة، تمت هندستها بدقة لتوفير بيئة صالحة للحياة. فبينما تنص النظرية على أن الكون كان في حالة حرارة شديدة بمساحة متناهية الصغر، ولم يكن هناك شيء قبلها، أخبرنا تعالى بأنه خلق الأرض وبارك فيها في الأيام الأربعة الأولى، ومن ثمّ خلق “السموات السبع” في اليومين التاليين، وقد كانت “السماء” قبل كل ذلك في حالة دخان “ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ …”، أي أن السماء وكذلك الأرض كانتا موجودتين قبل خلق السموات السبع! كما وأن مرحلة الفتق حصلت في اليومين الخامس والسادس (يومين) أي بعد 5\7 من عمر الأرض المفترض، بينما تقول النظرية بأن الانفجار هو أول ما حصل وفي جزء صغير جداً من الثانية الأولى!
مما سبق، وحيث أن “السموات والأرض” هي مكون صغير من السماء، وحيث أن السماء وكذلك الأرض كانتا موجودتين قبل خلق السموات السبع، نستطيع أن نستنتج بأن الآية الكريمة “… ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا” لا تتحدث عن الانفجار العظيم وإنما عن خلق بناء حول الكرة الأرضية غير مرئي مكوّن من سبع طبقات ومرفوعة بعمد لا نراها وأخبرنا تعالى كيف نتحقق من وجودها في سورة الملك { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ }.
البصر “برأيي” هو الضوء المرئي! فإذا ارسلنا شعاعا ضوئيا (ليزر) من مدار الارض واستطعنا ارجاعه (رده أو عكسه) من مركبة تدور خارج دائرة نصف قطرها 49 مليون كيلومتر، فاننا سنكون قادرين على رؤية نقاط التقاء هذه السموات، بسبب انتقال الضوء من بيئة ذات كثافة معينة الى بيئة ثانية بكثافة مختلفة، كما يحدث للضوء عندما ينتقل من الهواء الى الماء فيحصل انكسار الضوء، وهذا الذي سيؤدي لاثبات حقيقة وجود هذه السموات! وهذا ما طلبه منا مالِكُ المُلْك، وإذا قمنا برد هذا الضوء وعكسه مرتين، فإننا قد نرى نتائج غير متوقعة، إذ سيرتد الينا الضوء بتردد أقل “خاسئاَ” وقوة أقلّ “حسير“! (خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ). التغير في القوة والتردد يعني أن امواج الضوء اصطدمت بجزيئات بحدث يسمى تشتت كومبتون مما أدى الى خسارة هذه الامواج جزء من طاقتها وعودتها بتردد أقل. هذا يعني أن هناك شيء لا نراه! قد يكون مادة مظلمة، أو طاقة مظلمة أو حتى عنصر طبيعي شفاف!
المصدر: موقع فصلت