منزلة المسيح في الإسلام
المقدمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فبعد أن نال هؤلاء المجرمون من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهبَّت الأمة الإسلامية لنصرة نبيها عليه الصلاة والسلام، وقعوا في ما كشف سوءاتهم وعوراتهم أخرجوا فيلماً بعد أن صوروا بالكاريكاتور.
“الفيلم للمسيح، والكاريكاتور لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم”
الفيلم… وما أدراك ما فيه…
زعموا وقُطعت ألسنتهم أن المسيح تزوج ببائعة هوى وإن تابت!! وأنه أنجب منها ابنة!!
فهل لهذه المزاعم والبلايا من نهاية؟
إن واجبنا تجاه المسيح لا يقل عن واجبنا تجاه الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإليك أخي المسلم منزلة المسيح باختصار في الكتاب والسنة، حتى تعرف قدر النعمة التي أنت فيها وهي نعمة القرآن ونعمة السنة:
وإننا إن شاء الله تعالى سنرجئ الآيات القرآنية لكي نختم بقوة:
وإليك هذه العبارات المليئة بالحب والأخوة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما يذكر المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام:
1 – في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل”.
2 – وفي البخاري ومسلم واللفظ لأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الأنبياء إخوة لعلات: دينهم واحد وأمهاتهم شتى، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم، لأنه ليس بيني وبينه نبي”.
3 – في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأى عيسى بن مريم رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو. فقال عيسى:آمنت بالله وكذَّبتُ عيسى”، وفي رواية: “آمنت بالله وكذَّبتُ بصري”.
قال ابن كثير: وهذا يدل على سجيةٍ طاهرةٍ، حيث قدَّم حلف ذلك الرجل، فظن أن أحداً لا يحلف بعظمة الله كاذباً على ما شهده منه عياناً، فقبل عذره ورجع على نفسه فقال: “آمنت بالله”، أي صدقتك، وكذبت بصري لأجل حلفك.
4 – في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تحشرون حفاةً عراةً غرلاً، ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده}، فأول الخق يكسى إبراهيم، ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين، فأقول أصحابي. فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم: {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}”.
5 – وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليلة أسري بي… ولقيت عيسى -فنعته النبي صلى الله عليه وسلم- فقال: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس -يعني الحمام- “ أ.هـ والحمَّام هنا حمام البخار.
6 – وفي الترمذي بسنده عن عبد الله بن سلام قال: “مكتوب في التوراة: صفة محمد وعيسى بن مريم عليهم السلام يدفن معه”، قال أبو مودود أحد الرواة: “وقد بقي من البيت موضع قبر”، قال الترمذي: هذا حديث حسن.
النصوص القرآنية:
1 – وصفه تعالى بأنه آية: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [سورة المؤمنون: 50]، {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 91].
2 – وصفه تعالى بأنه من الصالحين: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} [سورة الأنعام: 85]، وقد جاء هذا الوصف في حديث ابن عباس المتقدم.
3 – رسول الله وكلمته وروح منه: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} [سورة النساء: 171].
4 – وصفه الله بالعبودية: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [سورة الزخرف: 59]، وكما أخبر عيسى عليه السلام عن نفسه بهذا: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [سورة مريم: 30].
5 – وصفه بالبركة: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [سورة مريم: 31].
6 – أنه بارٌ بوالدته: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [سورة مريم: 32].
7 – ليس جباراً ولا شقياً: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [سورة مريم: 32].
8 – وجعل الله سلامه على نفسه متقبلاً: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [سورة مريم: 33].
9 – وصفه تعالى بأنه يصدِّق بكتاب الله: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} [سورة المائدة: 46].
10 – وصفه بأن كتابه فيه هدى ونور: {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [سورة المائدة: 46].
11 – أن الله آتاه الحكمة: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [سورة آل عمران: 48].
12 – أنه من علامات الساعة: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [سورة الزخرف: 61]. وهذا أيضاً وصفَ النبي محمد صلى الله عليه وسلم به نفسه: “بعثت أنا والساعة كهاتين وفرق بين السبابة والوسطى، إن كادت لتسبقني”، روى الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة. قال فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلام، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال عيسى: أمَّا وجْبتُها فلم يعلم بها أحد إلا الله عز وجل، وفيما عَهِدَ إليَّ ربي عز وجل أن الدجال خارجٌ ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله عز وجل، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم. فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيطاردن بلادهم فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يردون على ماءً إلا شربوه، ثم يرجع إلى الناس فيشكونهم، فأدعوا الله عز وجل فيهلكهم ويميتهم”.
الأدلة على أن المسيح لم يتزوج:
1 – اسمه: “المسيح”، يعني ليس له منزل يأوي إليه، وهو دائماً يسيح في الأرض، ليس له قرارٌ، ولا موضعٌ يُعرَف له, والزوجية تحتاج إلى بيت يستقر فيه المتزوج.
2 – سؤال الله له يوم القيامة: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} [سورة المائدة: 116]، فلو كان متزوجاً لكانت زوجته زوجةَ ابنِ الله، ولو كان قد أنجب لكانت ابنته ابنة ابنِ الله، فيقال له عندئذٍ: “أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي وزوجتي وابنتي”.
3 – التقرير: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [سورة المائدة: 75]، بالتثنية. فلو كان له زوجة وابنة لقال: “كانوا يأكلون الطعام”.
4 – دعاء أم مريم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة آل عمران: 36]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولودٍ إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهله صارخاً من مسَّةِ الشيطان إلا مريم وابنها”، ثم قال أبو هريرة: “إقرأوا إن شئتم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}” (رواه البخاري ومسلم وأحمد)، وفي رواية لأحمد: “يمسه الشيطان بأصبعه، إلا مريم ابنة عمران وابنها عيسى عليهما السلام”، وفي رواية: “ألم تر إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: “ذلك حين يهزه الشيطان …”.، وفي رواية لأحمد على شرط الشيخين: “كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه حين يولد، إلا عيسى ابن مريم، ذهب يطعنه فطعن في الحجاب”.
فلو كان تزوج وله ابنة لدخلت الابنة المزعومة في الاستثناء.
أما زعمهم أن زوجته المجدلية المزعومة كانت بائعة هوى فهذا يرده قول ربنا عزَّ وجل: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النــور: 3]، وعيسى عليه السلام من أشرف المؤمنين أن يتزوج بزانيةٍ وإن تابت.
والحمد لله أن هذه الأمة هي التي تملك الأدلة الثابتة القاطعة لرد مثل هذه المزاعم الردئية، وللأسف أن أهل الكتاب أنفسهم ليس عندهم شيء يردون به هذه المزاعم. وحُقَّ لنا أن نفخر بهذا الخطاب:
في قصص الأنبياء لابن كثير قال: وقال إسحاق بن بشير: وأنبأنا سعيد بن أبي عروة، ومقاتل عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة قال: “أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم: يا عيسى، جدّ في أمري واسمع وأطع. يا ابن الطاهرة البكر البتول، إنك من غير فحلٍ وأنا خلقتك آية للعالمين، إياي فاعبد، وعليَّ فتوكل، إني أنا الحق الحي القائم الذي لا أزول، صدِّقوا النبي الأمي العربي، الذي عرفوه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك ينفح منه، ولم ير قبله ولا بعده مثله. كلامه القرآن، ودينه الإسلام، وأنا السلام، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه وسمع كلامه، قال عيسى: وما طوبى؟ قال: غرس شجرةٍ أنا غرستها بيدي. فهي للجنان كلها، أصلها من رضوانٍ وماؤها من تسنيم، وبردها برد الكافور، وطعمها طعم الزنجبيل، وريحها ريح المسك، من شرب من ماء عينها شربة لم يظمأ بعدها أبداً. قال عيسى: يا ربِّ اسقني منها. قال: حرامٌ على النبيين أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي، وحرام على الأمم أن يشربوا منها حتى تشرب منها أمة ذلك النبي”.
قال هشام ابن عمَّار عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه أن عيسى عليه السلام قال: “يا ربِّ أنبئني عن هذه الأمة المرحومة أمة أحمد. قال: هم علماءٌ، حكماءٌ، كأنهم أنبياء. يرضون مني بالقليل من العطاء وأرضى منهم باليسير من العمل، وأدخلهم الجنة بلا إله إلا الله. يا عيسى: هم أكثر سكان الجنة لأنه لم تذلَّ ألسن قوم قط بلا إله إلا الله كما ذلّت بها ألسنتهم، ولم تذل رقاب قوم قط بالسجود كما ذلت به رقابهم”.
وعند بن عساكر قال: “يا عيسى ابن مريم ما آمنت بي خليقة قط، إلا خشعت، ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي، فأُشهِدكَ أنها آمنة من عقابي ما لم تغير أو تبدل سنتي”.
والحمد الله أن أدخلنا في قوله تعالى: {لا نفرق بين أحد من رسله}.