قراءة في كتاب “مشروع اصلاح ام تبعية”
بقلم: حذام العربي
مشروع اصلاح ام تعميق تبعية؟- قراءة في مشروع “الشرق الاوسط الكبير” الامريكي –
نعيم الاشهب- مازن الحسيني- دار التنوير للنشر [والترجمة؟] والتوزيع – الطبعة الاولى- 2005
كتاب من القطع المتوسط يقع في 231 صفحة ، ويعرض لمشروع شمعون بيرس “الشرق الاوسط الجديد” الذي تبنته وادرجته الادارة الامريكية في اجندتها، تحت مسمى “الشرق الاوسط الكبير”.
في هذا الكتاب يسأل الكاتبان اذا كان هذا المشروع فيه اصلاح ام تعميق تبعية، ويجيبان على السؤال من خلال قراءة في عدة وثائق، ممارسات ومواقف معلنة لصناع القرار الامريكي، وإذن فالكتاب يشكل مراجعة للسياسة االامريكية في المنطقة باسلوب رصدي واستقرائي.
قرأتُ الكتاب على مراحل، وهو من الكتب المعدة للثقافة العامة والتنوير السياسي للقارئ غير المتخصص، وعليه فهو كتاب سلس، يحمل وجهة نظر وقناعة، اعتمد الكاتبان في عرضها على قاعدة من فمك ادينك، وألحقا بها قاعدة وفق المثل الشعبي القائل “الشمس ما بتتغطى بالغربال”.
على وجه العموم قرأت في هذا الكتاب استعراضا منهجيا للمسألة التي يعالجها، وهناك عمود فقري للمواد المعروضة في الكتاب، كما ان هناك تسلسل منطقي [زمني] من حيث عرض المواد.
تجدر الاشارة الى ان البناء الهرمي المعلوماتي للتسلسلية الزمنية جاء موفقا في معظم الاحيان،
ألا انه علينا دائما ان نتذكر، انه في مثل هذه المواضيع لا وجود للحقائق المطلقة ، وعليه فهناك ايضا الهرم االمقلوب من حيث التطرق الى كل سؤال ، وكم بالحري للسؤال الرئيسي لهذا الكتاب، وعليه فمن الطبيعي ان تتراوح الاجابة على هذا السؤال، بين معارض وموافق لطرحه اصلاً على هذا النحو وهذه الصيغة ، كما ان اتخاذ الموقف سلبا او ايجابا، او تأرجحاً بينهما وكأنه الموقف الموضوعي، او عدم اتخاذ الموقف بتاتا منه، كل هذه إمكانيات متاحة وواردة في هذا السؤال الخلافي ، ولا يملك احد ان يقول لدي الجواب الامثل عليه او “الترياق الشافي” له، وعليه ارى في هذا السياق، تسجيل اتخاذ الموقف من السؤال، للكاتبين وليس عليهما.
طَرحَ الكتاب تساؤلات مهمة ومركزية حول الافكار التي يحملها المشروع الامريكي، ألا ان اجاباته جاءت شعاراتية تتسم بالروح التعبوية، وباستنهاض الهمم “الوطنية” و “المخلصة” و”استلهام التاريخ النضالي” للشعوب … الخ، ولا بأس في ذلك فهذا موضوع يحتمل التعبوية والشعاراتية.
على وجه العموم إستعرض الكتاب القضية الاساس في العلاقات الدولية ، والتي تُميِّز فترة النظام العالمي احادي القطب [الامريكي] هذا الذي نشهده، وهي مسألة كيان الدولة القومية، في مواجهة العولمة، واعادة صياغة وتشكيل للعلاقات الدولية في ظل هذا النظام.
في هذا السياق، ادهشني تسطيح الواقع المعلوم لكل فتى، لا بل لكل طفل عربي ، من المحيط الى الخليج أُميا كان أم قارئا.
ففي الفصل حول المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ص 82 ، يستعرض الكتاب وبحق، المحاولات الامريكية الحثيثة لتفتيت واختراق مجتمع الدولة القومية الى ما تسميه “مجتمع مدني” ذو جمعيات، او عمليا مجموعات محدودة الآفاق والمتشكلة وفق مصالح فئوية ضيقة.، مجموعات المصالح او الورش الصغيرة هذه تذدنب للمُمَوِّل، وتظهر في المشهد على انها الحارس الامين للمصلحة العامة او الوطنية العليا بفعل تبنيها لقضايا مجتمعية، بمعظمها ذات ابعاد سياسية واقتصادية مأزومة، وفعلاً تستصرخ حلا جذرياً، كتشبيك الخاص بالعام، توريث السلطة، حقوق المواطن، المرأة، الامية، ممارسات الطغمات “الوطنية” الحاكمة كالغش والنصب والاحتيال وسرقة الاموال العامة وما شاكل ذلك، ولكن في محاولة لسبر اغوار دورها يتبين بالواقع والممارسة انها كالايتام على موائد اللئام، اذا ما نضب التمويل الخارجي فهي تلفظ انفاسها معه، وتذهب اجندتها ادراج رياح الغرب المُمَوِّل ومطامعه، كل هذا صحيح، ولكن اين تقف ما تسمى “الانظمة الوطنية والمخلصة” للدولة القومية من هذه القضايا؟! ومن محافظتها على كيانها؟!
يفترض القارئ احدى امكانيتين الاولى:ان هذه الانظمة متأبطة صحيفة المتلمس، تسوق شعوبها، عن سبق اصرار وتعمد، او قلة دراية، للقاء حتفها منتحرة على اعتاب بلاط الامبراطور العصري ، والامبراطورية في هذا السياق ليس امريكا فقط ، انها كالتنين لها عدة رؤوس، منها مثلا البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية، الشركات المتعددة الجنسيات، ومن اهم حلفاء هذا التـنين العولمي وادواته، التعصب الديني والعرقي والفاشية والجهل والتخلف والامية… الخ، والثانية: ان هذه الانظمة تتواطأ مع العولمة وأباطرتها على مستقبلها او على ذاتها، والقارئ العادي الذي يعلم يقين العلم وبالتجربة والبرهان ان هذه الانظمة قد استطاعت ترويض شعوبها الى درجة انتزاع او على الاقل تجميد ارادة الحياة فيها، يربأ عن رميها بالغباء الى هذه الدرجة، وإذن فهناك مشكلة!! في كلتا الحالتين لا بد من الاشادة بذكاء هذه الانظمة التي وصلت الى هذه الانجازات، او على الاقل لا يجوز اتهامها بالغباء وقلة الدراية، وقد سبقني الشاعر الى توصيف هذه الحالة اذ قال:
كل قوم صانعو نيرونهم ——- قيصر قيل له ام كسرى
والكتاب لم يعط تفسيرا معقولا لمعضلة نشوء مثلث العلاقة الاشكالية هذه بين الشعب {المواطن – الفرد} ونظام الحكم في الدولة القومية [في الشرق الاوسط مثلا] والامبراطور وعولمته، ولكنه عرض وضع وحالة مثلث العلاقات هذا دون ان يفكك لنا المعضلة، ص82 – 104 ، هل وصلنا، وكيف وصلنا الى مثلث علاقات أصلا؟ وهل هناك آفاق لنظام علاقات ثنائي.؟
فمثلا يقدم سعد الدين ابراهيم منظومة فكرية وممارساتية بديلة او على الاقل جزء منها، ولا يتورع عن الاستقواء على بلده ووطنه ببلدان وقوى خارجية اخرى ، وقد يجوز في طرح هذه المنظومة وممارسة هذه الجمعيات، قول علي بن ابي طالب” كلمة حق يراد بها باطل”. إلا ان السؤال الاهم يظل يرتطم بصداه، لماذا تعطي هذه الانظمة، “الانظمة الوطنية” في “الدولة القومية” كل المسوغات لسعد الدين ابراهيم وغيره للتحرك في بحر، لا بل في محيط ، من كلام الحق {الذي يراد به باطل}؟ وفي هذا السياق لا تنطلي حتى على الموغلين في الجهل والتخلف، حجة ان هذه الانظمة مذدنبة او عميلة او… الخ. فقد اشرتُ اعلاه الى ذكاء هذه الانظمة وقدرتها على الانجاز التي اثبتت فاعليتها.
على الرغم من كل الانتقادات الموجهة لأساليب الحكم في الديمقراطيات الغربية، وهي محقة في عدة احيان، تبقى مصادر هذا الكتاب، اكبر شاهد على قدرته لتقصي الامور.، فمصادره باستثناء بعضها، امريكية وبامتياز! وعليه في استفتاء افتراضي لمزاج الشعوب، بين شعار الديمقراطيات الغربية،{قل انت ما تشاء وانا افعل ما اشاء} وبين شعار”الديمقراطية الوطنية في الدولة القومية” {كم الافواه والاحكام العرفية وتكسير العظام والتغييب الجسدي للمواطن المعارض}، ما كنتُ اجازف بالتنبؤ بالنتيجة! اللهُّم إلا القول بأن الديمقراطية الغربية تقع في خانة “احسن جنس عاطل في سوق الانظمة المتاحة”. وليس ادل على ذلك من رؤية تظاهرة ال 800 طالب مصري محاصرين بحوالي 3000 جندي مصري داخل الحرم الجامعي دعما للعراق والانتفاضة، في حين خرجت مظاهرة الثلاثة ملايين الى الشارع في دولة الحاكم الملياردير وحليف امريكا!!
تجدر الاشارة الى الفصل بعنوان “تحرير التجارة” والذي في سياقه، تعامل الكتاب مع مسالة حقوق الملكية الفكرية، والجوانب التجارية لهذه الحقوق، ابعاد واسقاطات الترتيبات الخاصة بها، وإلتفات لجنة الجنوب في تقريرها “تحدي الجنوب” 1990 الى: “… ان الدول الراسمالية … تريد وضع نظام من شانه ان يلزم الاقطار النامية باعادة الهيكلة من جديد لقوانينها القومية بحيث تلبي حاجات الشمال ومصالحة … وتعزيز الحقوق الاحتكارية لبائعي التقانة فيه…” ص108 . والحقيقة ان المسالة ليست فقط احتكارات تجارية – تنموية، وتطوير استيعاب التقنيات في {الجنوب} العالم النامي…. الخ.
ان التحكم بمقاليد العلم والاستيلاء على نتائجه التطبيقية ، اصبح بمثابة بيضة القبان في النظام الدولي احادي القطب، والاخلال بهذا التوازن قد يعني خرق لقواعد اللعبة الدولية احادية الامبراطورية، وغني عن التذكير بالقاعدة الاساسية في لعبة العلاقات الدولية، ان كل اختلال او خرق للتوازن {الدولي}، ان آجلا او عاجلا يؤدي الى الحروب بكافة اشكالها، وليس ادل على ذلك، ما نراه راهناً، من اساليب ومضامين معالجة انتشار السلاح النووي على المسرح الدولي، {ايران – اسرائيل – كوريا الشمالية} بما في ذلك سلاح الدمار الشامل المفترض وجوده في العراق، او ما نُشِرَ مؤخراً عن صفقات بيع التقنيات مع الوكلاء المعتمدون {اسرائيل}، مثل صفقة تحديث واعادة تسليح الطائرات الصينية او الفنزويلية.
قدرة الجنوب المحدودة على فهم المقروء، لافتة للنظر، اذ استفاق عام 1990 ليشير الى مسألة غاية في الاهمية، وقد نَظَّرَ وكتبَ حولها البعض في بداية السبعينيات ان لم يكن قبل ذلك بكثير، اذ اصبح العلم وبخاصة العلوم التقنية والتطبيقية في كثير من الاحيان اسرارا عسكرية وفي بعضها على اعلى درجة من الاهمية، وبالتالي فان تصدير التقنيات والعلم يخضع للاعتبارات العسكرية والأمن القومي، وليس فقط التجارية او التنموية او غيرها، ومن المستهجن ان تبقى عناوين جدارية ضخمة كهذه، تواجه الجنوب دون إشارة او معالجة حتى العام 1990 .
هل في هذا ما يشير الى منسوب ارادة الحياة عند هذه الشعوب؟ ام عند حكامها؟ ام قد آن أوان أفول الدولة القومية؟!
ان المنهجية في الاستعراض لا تعني الانتقائية الى حد نسيان او تناسي بعض الحقائق التاريخية غير الخاضعة للنقاش، هذه الانتقائية تُفقد وجهة النظر مصداقيتها، مثلاً جاء ص128 :”… ان الاقتصاد الامريكي قد تضاعف خلال الحرب العالمية الثانية… الولايات المتحدة… البلد الصناعي الوحيد الذي لم يتعرض ولو لطلقة واحدة خلال تلك الحرب…”. وللحقيقة ان اعلان امريكا دخولها الحرب الى جانب الحلفاء جاء عقب الضربة الجوية اليابانية في 07.12.1941 ، والتي اسفرت عن تدمير الاسطول الامريكي الراسي في القاعدة العسكرية البحرية بيرل هاربور، اذ فقدت امريكا في هذه الضربة 12 من السفن حاملات الطائرات و188 طائرة حربية بالاضافة الى الخسائر البشرية 2403 من الجنود و- 68 من المدنيين.
ان الحماس الذي يبديه أي كاتب لتثبيت وجهة نظره او لاقناع القارئ بها، عندما يشط عن الوقائع او يتعامى عن الحقائق، يضعه في موقع الهداف الذي يطلق سهمه اولا، وفقط بعد استقرار السهم يسارع ليحيطه بدائرة الهدف، ومن ثم يدعي انه اصاب.
في سياق الاقتباس، استعمل الكاتبان صيغة مثيرة للاهتمام ص 90 جاء : “… ويقال انه صرف 160 مليون دولار على نشاطات في مجال حقوق الانسان (1)” والمرجع المشار اليه: (1)”عادل سمارة- منظمات غير حكومية ام قواعد للآخر NGO’s رام الله …” هذه صيغة تؤدي الى تلبد الرؤية لدى القارئ، مَنْ الذي قال، مرجع الكتاب موضوع المناقشة؟ ام مرجع المرجع؟ {عادل سمارة ام مرجعه؟}. والحقيقة ان استعمال صيغة المبني للمجهول قد تكون اكثر انسيابية وملائمة مع مضامين تراثية او اساطير او حكايات مجهولة المصدر، إلا انها تترك لدى قارئ كتاب كهذا، البلبلة وعدم الثقة بالمادة المطروحة.
اخراج الكتاب يفتقد لبعض القواعد الاساسية، اذ لم يَذكر مكان الاصدار، بالاضافة الى اسم مختلف للناشر، كما انه لم يشمل قائمة مراجع، ولا فهرس، ولا حتى لفت انتباه الى ان الكتاب يحتوي على بعض الوثائق، والقارئ فجأة يقع من اعالي صخب النقاش ومقارعة الحجة بالحجة، الى سكون الوثائق المرجعية، والهدوء الذي يحتاجه للتفحيص والتمحيص فيها، فقد خصص الكاتبان ما يقارب ربع صفحات الكتاب للوثائق المختلفة وذات العلاقة بمضمونه، الامر الايجابي جداً بحد ذاته.
على كل ما سبق فالكتاب جدير بالقراءة.