والمسلمون يحتفلون بعيسى عليه السلام
قال – تعالى -: “….والمؤمنون: كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. “
نؤمن بعيسى – عليه السلام -:
– نبياً من أنبياء الله الكرام، ورسولاً من رسله الخمسة أولي العزم.
– ولد كما ولدت المخلوقات، وتدرج في حياته كما تدرج كل مخلوق من طفل إلى فتى إلى شاب ورجل.
– ومن له بداية فله نهاية. فعيسى – عليه السلام – بدأ حين قدر الله – تعالى -له أن يبدأ. وسيموت حين ينتهي أجله. ” والسلام عليّ يوم ولدتُ ويوم أموت، ويوم أُبعث حياّ “
بعض النصارى قالوا: كيف تقولون إنه لم يمت على الرغم أنهم يعتقدون إلهاً لا يموت، ولكنه الجدال والمراء – وقرآنكم يقول في سورة آل عمران الآية 55 ” إذ قال الله: يا عيسى، إني متوفيك، ورافعك إليّ، ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة… “
فهو إذاً- كما يدعي هؤلاء يأخذون على القرآن أنه ذكر أمرين يستدعيان الوقوف عندهما:
1- أنه مات، ومن مات لا يعود. فكيف تقولون: إنه عائد آخر الزمان؟
2- أن أتباعه خير من كل الناس ديناً ومكانة. ويقصدون أنهم هو أتباعه، وأنهم المقصودون بالخيريّة.
أما تصحيح الفكرة الآولى: فإن كلمة ” متوفيك ” لا تعني الموت بل تعني القبض والموافاة فقط. وسأذكر من القرآن الكريم دليلين واضحين:
أما الأول فقوله – تعالى -في سورة الأنعام الآية 60 ” وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى… ” فمعنى الوفاة بالليل: ينيمكم بالليل، ويعلم ما كسبتم من العمل بالنهار. قال القرطبي – رحمه الله تعالى -: ليس ذلك موتاً حقيقة بل هو قبض للأرواح في الليل وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: يقبض أرواحكم في منامكم.
وأما الثاني فقوله – تعالى -في سورة الزمر الآية 42 ” الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها. فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون “.. فالناس حين يتوفاهم الله – تعالى -قسمان.. فالقسم الأول: من انتهى أجله فيموت. والقسم الثاني من لم ينته أجله، تعود إليه روحه، فتبقى في جسده إلى الأجل المحتوم الموت الذي قدره الله على كل الكائنات -.
فكلمة متوفيك تعني قابضك ورافعك إليه، ومطهرك من الذين كفروا وهذا لم يقل لغيره من البشر بدليل أن عيسى لم يمت، وسيعود إلى الدنيا ويكون من علامات الساعة. قال – تعالى -مؤكداً ذلك في سورة النساء الآيات 157- 159 ” وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه، ولكنْ شُبّه لهم. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه، ما لهم به من علم إلا اتباع الظن. وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه، وكان الله عزيزاً حكيماً ” وقال – تعالى -في سورة الزخرف الآية 61 ” وإنه لعلم للساعة، فلا تمتـَرُنّ بها.. “. فنزوله الأرض دليل على دنوّ قيام الساعة.
وأما تصحيح الفكرة الثانية: فإن أتباع المسيح – عليه السلام – هم الذين آمنوا به نبياً رسولاً وبشراً عبداً، لارباً ولاإلهاً. فهو – عليه السلام – يقول في سورة مريم حين أشارت إليه أمه: ” إني عبد الله، آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أينما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا ً…. “
– وحجة النصارى أن عيسى – عليه السلام – هو الوحيد الذي ولد بلا أب وأنه من روح الله وابنه والعياذ بالله أن يكون له ولد أو شريك – فالجواب أن كثيراً من الآيات تدل على أن آدم نفخ الله فيه من روحه يقول – تعالى -في سورة الحجر الآية 29 وسورة ص الآية 72 ” فإذا سوّيته ونفخت في من روحي فقعوا له ساجدين ” وقال كذلك في سورة السجدة الآية 9 ” ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه “.. فكل أرواحنا – على هذا- من روح الله، فهل نحن أبناؤه؟! نحن لا شك عباده المخلصون أما المشركون فهم عبيده. وشتان ما بين العباد والعبيد.
– بل نقول لمن يتعجب أن يولد عيسى من غير أب: إن آدم خلق من غير أب وأم، فأمْرُه أشد غرابة لمن يتعجب، وأمرُ الله بين الكاف والنون، فلا غرابة وقد نبه الله – تعالى -إلى أن خلق عيسى كخلق آدم – عليهما السلام -، والله يفعل ما يشاء ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كنْ فيكونُ “.
وتعال معي نقرأ القصة الشائقة بالتعبير القرآني الفريد بالحوار السلس البيّن لترى مكانة عيسى – عليه السلام – عند المسلمين الذين يحبونه ويجلونه نبياً كريماً وبشراً معصوماً:
– واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً.
– فاتخذت من دونهم حجاباً.
– فأرسلنا إليها روحنا، فتمثّل لها بشراً سويّاً.
– قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً…
فهي طاهرة حصان، ليست مثل من يدعي اتباعها ثم يرى الزنا والشذوذ أمراً عادياً!
– قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً
– قالت: أنّى يكون لي غلام
1- ولم يمسسني بشر، 2- ولم أك بغيّاً
فالمرأة الشريفة لا يملكها الرجل إلا بالحلال، ومريم لم تتزوج، وليست زانية. فهي تتعجب من عملية الحمل دون ذينك الأمرين. فأين النساء اللواتي يدّعين حبها منها؟!. لو كنّ أتباعها لاقتدين بها وسِرْنَ على طريقتها من الشرف المصون والعفة التامّة.
– قال: كذلكِ قال ربك هو عليّ هيّن، ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مَقضِيّا ً.
– فحملته فانتبذت به مكاناً قصيّاً. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة.
– قالت: يا ليتني مِتّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
– فناداها من تحتها ألاّ تحزني، قد جعل ربك تحتك سريّا.
– وهزّي إليك بجذع النخلة تُساقطْ عليكِ رُطَباً جنيّاً. فكلي واشربي، وقَرّي عيناً.
– فإما ترَيِنّ من البشر أحداً فقولي: إني نذرت للرحمن صوماً، فلن أكلم اليوم إنسِيّاً.
ملاحظة: لم تكن ولادة عيسى – عليه السلام – في الشتاء، إنما كانت في الصيف، ولجوء العفيفة الطاهرة إلى جذع النخلة صيفاً…. ولو حدث الأمر شتاء لماتت وابنها من البرد. يقول العلماء كان حملها وولادتها أيام نضوج ثمار النخيل. ولئن ادعى أحدهم أن هذا من المعجزات قلنا: إن لجوءها خارج المعبد بعيداً عن الناس وعيونهم ليس فيه معجزة بل فيه الخوف من المصير المجهول الذي رأت نفسها متورطة فيه، وكانت عين الله ترعاها.
– فأتت به قومها تحمله.
– قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً. يا أخت هارون، ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ، وما كانت أمك بغيّاً.
لاحظ الحالة النفسية التي كانت تعيشها، وتخطيط المولى – سبحانه – لإنقاذها، فلم تتكلم.
– فأشارتْ إليه.
– قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيّاً؟!.
– قال: 1- إني عبد الله. 2 – آتاني الكتاب. 3- وجعلني نبيّاً. 4- وجعلني مباركاً أينما كنتُ. 5- وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. 6- وبراً بوالدتي، ولم يجعلني جباراً شقياً…
فهو إنسان كريم رباه الله – تعالى -على عينه، ثم كلفه بما كلف الأنبياء صلوات الله عليهم.
ولا شك أن أتباعه- عليه السلام – سيؤمنون به حين نزوله إلى الأرض آخر الزمان يحكم بشرع الإسلام ” وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً ” النساء الآية 159. ولعلنا نرى عيسى – عليه السلام – يبشر بمجيء المصطفى عليهما الصلاة والسلام في سورة الصف الآية 6 “… ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ” فأتباعه هم الذين يُصَدقونه ويؤمنون بالنبي الأمي الذي جاء رحمة للعالمين. وهادياً للمتقين.
إن احتفالنا بميلاد عيسى – عليه السلام – دليل حب له ولكل الأنبياء… أما احتفالنا واحتفاؤنا به صلوات الله عليه وسلامه فبالتوجه إلى الله – تعالى -نسأله الهداية والرشاد، ونعاهده أن نكون عباداً صالحين، وأن نلتزم شرعه القويم الذي ارتضاه لنا، ونبتعد عن المباذل والمفاسد، وعن كل ما يغضبه – سبحانه -.
اللهم إننا نؤمن بعيسى نبياً كريماً دعا إلى عبادتك فبيّن وبلّغ الأمانة وأدى الرسالة.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى الأنبياء جميعاً واحشرنا في زمرة عبادك الصالحين.
المصدر: صيد الفوائد